العالم العربي وعام جديد

جمعة, 03/01/2020 - 09:41

لا توجد حلول للحالة العربية. فمن سوريا للجزائر من إيران لفلسطين ومن السودان للبنان والعراق تستمر التفاعلات، لهذا لن تقدم سنة 2020 إعادة البناء في سوريا واليمن او إيقاف التدهور والحروب في المشهد العربي العام، او نتائج واضحة للحراك العراقي اللبنا ني، فكل قضية تحمل في طياتها الكثير من التفاعلات.
الحراك الذي برز في الجزائر كما وفي السودان في 2019 مستمر في 2020، إضافة لذلك الحراك الكبير في العراق ولبنان فتح الباب للأسئلة الصعبة حول التركيبة السياسية لكلا البلدين، لكن الحراك أو الثورة أو الانتفاضات ستضيف إلى المعاناة والتدهور قبل أن تطرح الحلول والأجوبة. الواضح أن الشعوب لم تعد تتحمل محاصصة فاسدة ونهبا للخزينة العامة وسوء إدارة وسيطرة تؤدي لأسوأ النتائج الاقتصادية. كل الدول العربية تعيش حالة تغيير معلنة أو مكتومة في العام 2020.
الواضح في العام 2020 أن ما يحرك العرب في كل مكان هو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بمعظم المجتمعات العربية. إذ تنخر الواقع العربي أزمة بطالة خانقة، نتجت عن حالة فساد وسوء استخدام للسلطة. وحتى في المجتمعات التي لا تشعر بوقع الأزمة الاقتصادية، فالفساد بحد ذاته قادر على تدمير أعظم الاقتصاديات الاقليمية. إن المسألة الاقتصادية العربية لن تحل لوحدها بلا تعامل جاد مع المسألة السياسية المتعلقة بحقوق المواطن والشفافية في وسائل الحكم والرقابة والمساءلة وتدوير السلطة ضمن آليات انتخابية وقانونية واضحة وعادلة.
في العام2020 سيستمر السعي لتهدئة الأزمة الخليجية وحصار قطر، دون أن يعني ذلك صدور إعلان واضح بانتهاء الأزمة، على الأغلب سيشهد الوضع القطري- السعودي رفعا تدريجيا للحصار، بينما تستمر قطر في سياساتها الاستقلالية. الواضح بنفس الوقت أن المملكة العربية السعودية تسعى للخروج من حرب اليمن، وهذا السعي قد ينجح في 2020، لكنه بنفس قد يشهد تعرجات مرتبطة بطبيعة التوترات القائمة مع إيران كما وبين إيران والولايات المتحدة. يمكن القول بأنه لإيران كل المصلحة في استمرار تورط السعودية في اليمن. المشكلة اليمنية تتطلب حتما ايقاف الحرب، لكن السؤال في اليمن: ماذا بعد ذلك، وهل من خطة حقيقية للسلام وإعادة البناء، وماذا عن دور الإمارات في جنوب اليمن، ام أن اليمن سيدخل في نزاعات جديدة كالأفغنة والصوملة؟

الواضح أن الشعوب لم تعد تتحمل محاصصة فاسدة ونهبا للخزينة العامة وسوء إدارة وسيطرة تؤدي لأسوأ النتائج الاقتصادية. كل الدول العربية تعيش حالة تغيير معلنة أو مكتومة في العام 2020

وتواجه مصر في 2020 المزيد من التساؤلات عن دور الجيش في الاقتصاد وفي الإدارة وفي الحياة السياسية. ففي مصر يسيطر الجيش على كل مناحي البلاد. 2020 ستشكل سنة هامة لطرح المزيد من الأسئلة حول دور الجيش في الاقتصاد والسياسة، بل إن ظاهرة المقاول «محمد علي» مستمرة، وقد تبرز شخصيات شبيهه في العام 2020. هذا لا يعني أن مصر في 2020 مستعدة للتغيير الشامل، فالواضح أن خروج رئيس الأركان السابق سامي عنان من السجن قد يعني أن جزءا من الدولة لم يعد مقتنعا بالدور الراهن للجيش ولا بالمستوى الذي وصلت إليه حالة السجون المصرية بعد موت الرئيس السابق مرسي في السجن، يكفي أن شخصيات مميزة ومعروفة كعبد المنعم أبو الفتوح، إضافة لإعادة اعتقال علاء عبد الفتاح وماهينور المصري.
اليوم في السجون المصرية عشرات الألوف من المصريين ممن ينتمون لكل التيارات بما فيهم من أيد سابقا الحراك المضاد للإخوان المسلمين في 30 حزيران/يونيو 2013. عندما يكون الجيش في الحكم و في السلطة و في قلب الاقتصاد سيحتك مع المواطنين في كل المسائل، وهذا ليس بالأمر الجيد لا للدولة المصرية ولا للجيش.
قد يشهد عام 2020 هزيمة أو انتصار دونالد ترامب، كل هذا متوقف على ظروف الانتخابات ومدى حجم الفضائح التي تلاحق الرئيس والوضع الاقتصادي الأمريكي إضافة لطبيعة المنافس من الحزب الديمقراطي. ولا يوجد ما يؤكد أن ترامب لو فاز بالرئاسة مرة ثانية سيستمر في صراع مفتوح مع إيران، بل قد يقدم على تفاهم متبادل مع إيران مما قد يعيد سياساته للمربع الأول. إن السياسة الأمريكية في حالة تراجع في الشرق الأوسط، وهذا يعني إمكانية عقد صفقة مع إيران تؤدي للتهدئة. سيكون هذا الأمر مزعجا لإسرائيل كما ولبعض دول الخليج التي ستضطر للتأقلم مع قيام ترامب بالتفاهم مع إيران.
لكن إيران هي الأخرى اهتزت صورتها في الشرق الأوسط بسبب أحداث 2020، فقد وقع في إيران حراك سياسي مدني إنتهى بمقتل 1500 مواطن إيراني، لكن بنفس الوقت الحراك اللبناني والعراقي فتح الباب على مصراعيه لتحالفات جديدة، لحكومات أكثر مساءلة. لقد أحيا حراك لبنان والعراق إمكانية التضامن بين قوى من طوائف مختلفة كما أنه حرك قواعد الطائفة الشيعية باتجاه الطوائف الاخرى. ورغم عمق هذه الحراكات لازالت إيران تحافظ على نفوذها في عدد من الدول العربية.
أما صفقة القرن، فبعد كل الضجيج الذي أثارته لم ينتج عنها اي جديد. فلا توجد صفقة، كل المطروح تأييد أمريكي للسياسات الاسرائيلية القائمة وسط ضعف رسمي وتآكل عربي. كل المطروح مزيد من الاستيطان إضافة للاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل والمستوطنات بصفتها عملا مشروعا. لهذا يستمر الصراع في فلسطين بين الحقوق والعدالة من جهة وبين الاستيطان والاستعمار من جهة اخرى، بينما سقط في العام 2019 ما تبقى من فكرة حل الدولتين واقامة دولة فلسطينية إلا أن الحراك الشعبي الفلسطيني سيزداد زخما في قلب الكيان الصهيوني.
إن الحراكات الشعبية في الإقليم العربي تترابط وتتقاطع المحاور المتصارعة في الاقليم. فهناك الدور الإيراني و التركي و الروسي و السعودي الإماراتي، وهناك الحالة الخليجية في ظل الاستقلالية القطرية ثم الكويتية ثم العمانية. صراع الأطراف والمحاور مستمر في الإقليم، لكن حراك الشعوب سيكون له الصوت والصدى الأكبر في 2020.

استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

القدس العربي