الحراطين بين الدولة والمجتمع .. أين الإنصاف؟!/ الأستاذ : المعلوم أوبك

ثلاثاء, 15/10/2019 - 09:30

المرحلة الراهنة التي يمر بها البلد فرصة سانحة لنا جميعا بموريتانيا لتجاوز الكلام المنمق وامتلاك شجاعة القول أن بنية المجتمع الموريتاني القائمة تكرس التباعد ، و الدولة والمجتمع كعنصران مكملان لبعضهما بعضا لا يزالان شريكان في عملية تهميش الحراطين ، فلا انفصال للدولة عن سياقها المجتمعي ، والمجتمع ذاته هو الذي يملك رد الدولة ، فإذا سيطرت الدولة على المجتمع، فإن ذلك يصيب المجتمع بالضعف والوهن ، وإذا سيطر المجتمع على الدولة، أدى ذلك إلى ضياع هيبتها، وفشلها في أداء دورها السياسي والاقتصادي كما يجري الآن بموريتانيا و فقدان قدرتها على أداء مهامها التي نشأت من أجلها وخاصة العدالة الاجتماعية كعقد لتكوين الدولة ، وتوفير قدر كبير من الانسجام بين مكوناتها الاجتماعية ، إذ نشهد في موريتانيا حالة اضمحلال للعلاقة التكاملية بين الدولة والمجتمع فكلاهما عاجز عن مواجهة الآخر ، فالدولة منذ نشأتها إلى اليوم بتنظيمها ونظامها لازالت ضعيفة لعدم قدرتها على وضع حد لمشكل الحراطين ، والمجتمع بطبيعته هو الآخر عاجز عن إجبار الدولة على التأسيس للاندماج الاجتماعي بين المكونات الاجتماعية ، فغدا الطرفان شريكان فاعلان فيما يعيشه الحراطين لعدم مواجهة الممارسات ذات الطابع الاستبعادي أو التهميشي ، فالحراطين مهمشون لهم مبلغهم من التهميش المتجسد في مجموعة الإجراءات المنظمة التي تمنعهم من الحصول على الفرص الاقتصادية وغيرها من الامتيازات المتاحة لبعض المتنفذين من بقية المكونات بالبلد ليكون التمييز المعيق والإقصاء أبرز تجليات عملية الاستبعاد الفعالة المراد من خلالها تغييب الحراطين عن لعب دور مساهم في الديناميكية الوطنية ، ليعم بذلك استبعاد مختلف أطياف المجتمع الحرطاني وتكريس واقعا سمته البارزة أن الحراطين يعيشون حالة استبعاد قوامها تمييز ضدهم في المجالات السياسية والعسكرية و الإقتصادية و الإجتماعية …..الخ مما أثر ويؤثر في وضعهم داخل هيكل القوة المجتمعية بموريتانيا وأدى لمعاناتهم من تهميش ذا وجهين تهميش مناطق سكنهم وتهميشهم في مناطق سكنهم ، فمراكز الترحيل ومناطق الهشاشة الاجتماعية بانواذيبو وانواكشوط وكل المدن كلها تعبر عن حالة الحدود الفاصلة بين “المُهمَّش” وغير “المُهمَّش” : ، وإذا ما ظل الموقف سيد ما يجري الآن من استبعاد وتهميش .

فليس أمام السلطة التي تحكم البلد اليوم سوى فرض إصلاحات شاملة وحقيقية بجميع السبل المتاحة بعيدا عن دغدغة العواطف سلبا أو إيجابا بخطوات ملموسة على الأرض بعيدا عن معالجة تحديات اليوم بسياسات الأمس والاستعداد المبدئي لدفع الكلفة الاقتصادية التي تؤدي لاقتصاد مستدام نامي يدعم مجتمع اندماجي تعددي ، قادر على مواجهة أي نذر هزة اجتماعية وغليان مستفحل في المجتمع ، خاصة وأن موريتانيا ليست أكبر من أن تطفو و تفشل في ظل نظام ودولة غير قادرة على دمج الحراطين ضمن المنظومة الاقتصادية بفعالية خاصة في ظل سياسات تنموية لا تتيح للحراطين فرصة الاشتراك في المسيرة التنموية للبلد بطريقة تعمل على الحد من الفجوة والمشاكل المتفاقمة على نفوسهم ، فكفى إنكارا لحقيقة أن الحراطين بموريتانيا مغيبون مهشمون ومستبعدون اقتصاديا وسياسيا وعسكريا … الخ ، وكل الأنظمة السياسية المتعاقبة على البلد فشلت في التخلص من إرث الاسترقاق والظلم الذي لحق بالحراطين ، ولم يمتلك و يتملك أي نظام جرأة التوجه والدعوة لحوار وطني شامل يتجاوز استمرار تكريس تهميش واستبعاد الحراطين .
ولكننا اليوم وغدا كحراطين كلمتنا واضحة أن تجاهل المشكل الحرطاني لا يعني البتة انتفاؤه ، فآن الأوان أن ينعم الحراطين باعتبارهم المكون الأكثر تهميشا واستبعادا ككل الشعب ببحبوحة الاقتصاد الموريتاني ويشعروا بسيادة الحرية المساواة والعدالة ، فلقد مل الحراطين صرف النظر عما نعانونه من فقر ويعيشه الآخرون من ازدهار اقتصادي ، فلا أحد على ما يبدوا يتعظ أو يريد أن يتعظ مما 
يكابدونه بسبب سياسات الإقصاء والتهميش الممنهج حتى فاض الكيل وأصبحوا لا يستطيعون الاستمرار على وضع كهذا الوضع القائم فلا عيون رفت ، ولا قوى الوضع الاقتصادي المهيمن تريد الاتعاظ بما يحيق بهم، ولا المشاريع الاقتصادية بالبلد مثلت حلا لوضع مشكل الحراطين المتأزم ، بل ما هي إلا تغليفا لسياسة قديمة بحلة جديدة تكرس مزيدا من المعاناة لمكون الحراطين مما لم يعد ينطلي على أحد .