الأزمة الليبية.. بين الحل الإقليمي والحل الدولي

اثنين, 20/01/2020 - 11:29

نجد الكثير يتحدث عن الأزمة السياسية في ليبيا وكأنها أزمة داخلية بحتة بين حكومة اتخذت من العاصمة طرابلس مكانا لها وبين جنيرال متقاعد يسمى حفتر، في حين أن ليبيا ومنذ بدايات الأزمة فيها اختفت من جغرافيا الأقليم والهوية وأصبحت أضحية ضحى بها مجهول في عيد يقيمه سادة العالم والنظام الدولي حينما تصاب بطونهم بالجوع.

  

شيئان يغيبان عنا كثيرا في تحليل خبايا وخفايا الأزمة الليبية سنحاول تسليط الضوء عليهما ليصبح التحليل بعد ذلك فعالا نحو حل أو حلول قد تفيد وتصل بليبيا الشقيقة نحو بر الأمان، لكن قبل هذا نعطي لمحة مختصرة للأزمة منذ بدايتها فيما سمي اصطلاحا بالربيع العربي، لكنه ربيعا كان أقرب للحلم منه للواقع وأغلب الأحلام تتحول لكوابيس حينما تكون وضعية النوم غير سليمة أو طبيعة الفراش تقتضي ظلام الكابوس.

  

لمحة تاريخية عن أزمة ليبيا

في ٢٠١١ وبعد فرار زين العابدين بن علي من تونس ونجاح ثورتها في قطع رأس النظام وكذا الثورة في مصر استطاعت أن تقطع رأس نظاما كان يسعى للتوريث مخالفا لكل أحكام المواريث السياسية في المنطقة.. تحركت بعض الجماهير في ليبيا والنظام الليبي نظام دكتاتوري بلا شك والنظام الدكتاتوري هو بيئة خصبة لنمو معارضة سياسية كبيرة لدى الشعب لكنها تكون مكبوتة لا أحد يعرف متى تتحرك أو من سيسعى لاستغلالها وتحريكها.. تحركت بعض المظاهرات هنا وهناك في المدن الليبية تحرك معها جناح اقليمي ودولي فاعل جدا انتهت بتدخل الناتو وبزوال نظام القذافي بطريقة البتر السياسي الذي سيجعل الدولة معاقة إعاقة مستديمة ولا كراسي للمعاقين في العالم الثالث.

بدأت بعدها عملية سياسية تسير تحت غطاء الناتو لبناء مؤسسات سياسية تكون واجهة للنظام السياسي الجديد، وأقيمت انتخابات للمؤتمر الليبي فاز فيه الإسلاميون ذوي التوجه الإخواني كما حدث في مصر بعد الثورة وتونس بعد الثورة.. لكن بعد تغيرات لتوجهات بعض الدول السيدة في العالم ورفع الفيتو السياسي على الإخوان فانقلبوا عليهم في مصر وضغطوا عليهم في تونس وبدأت محاربتهم في ليبيا لأن ليبيا ليس فيها مؤسسات مدنية تشتغل فيها الثورة المضادة مثل تونس، وليس فيها جيش قوي مثل الجيش المصري الذي محى ثورة بكاملها وبنى عليها كيانا جديدا عسكري الهوى.. لكن ليبيا شبيهة بالفوضى آنذاك وأسلحة في كل مكان ومليشيات وجماعات مصالح وأذرع خارجية كلها بدأت تطلق في الرصاص لتحقق بالحرب ما لم يتحقق بالسياسة، وباختصار انتهي امر ليبيا في ٢٠١٥ في اجتماع الصخيرات في المغرب تحت إشراف الأمم المتحدة إلى اتفاق أنشأت من خلاله حكومة شرعية للبلاد هي حكومة الوفاق الوطني.

 

لكن حكومة الوفاق تلك لها توجه إسلامي إخواني له دعم من بعض دول الإقليم وسارت السياسة في ليبيا تخطو بخطوات إلى الوراء بينما الحرب تسير بخطواتها للأمام حتى تدخل خليفة حفتر بمليشيات ممولة ومدعمة من قوى إقليمه هي الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وأمريكا (في عهد ترمب) وروسيا تحت الطاولة لحل النزاع في ليبيا بالبندقية، وبالتالي فنحن الأن أمام ليبيا بجناحين جناح حكومة الوفاق الوطني التي تمتلك الشرعية الدولية وجناح حفتر الذي يمتلك السلاح والدعم المالي من مشرق الشمس الحارة.. وبهذه الطريقة سيسيطر حفتر على ليبيا بكاملها لكن حفتر غير مرغوب فيه من الجزائر ومن تركيا ومن إيطاليا في أول الأمر، ولذلك لم يستطع حسم سيطرته على طرابلس.

 

الجانبان المهمان في الأزمة الليبية

أولا: الجانب الأول أن ليبيا هي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعني أنها تحت إشراف مجلس الأمن، ومجلس الأمن فيه خمس سادة لهم الفيتو هم من يقررون، وقانونيا لا شيء يتحرك في ليبيا إلا بإذن دولي وبموافقة مجلس الأمن، ونعلم أن من أدخل أزمة ليبيا إلى مجلس الأمن هي فرنسا (تمتلك الفيتو) وبعد حوالي شهر من انطلاق المظاهرات في ليبيا حركت مجلس وخرجت منه بقرار صوتت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وامتنعت كل من الصين وروسيا عن التصويت وهما يمتلكان الفيتو، وكذلك ألمانيا امتنعت مع أنها لا تملك فيتو، وبالتالي فإن أي حل لأزمة ليبيا لابد أن يمر على مجلس الأمن فلا مصر ولا الإمارات ولا السعودية ولا قطر ولا تركيا ولا الجزائر يستطيعون التدخل الرسمي لحلحلة الأزمة الليبية إلا عن طريق التدخل الغير مباشر تحت الطاولة المخابراتية والدعم السري وكذلك كانوا يفعلون. 

ثانيا: أزمة الغاز في شرق المتوسط وكيفية نقله إلى أوروبا كان الشرارة التي جعلت تركيا تتدخل بسرعة وتوقع اتفاقها البحري والأمني مع حكومة الوفاق التي تمتلك الشرعية الدولية وتركيا لا تريد ألا يمر الغاز إلى أوروبا دون أشرافها برا أو بحرا لأن به ستزيد قوة وسطوة الدولة التركية في الإقليم وفي العالم، وبما أن تركيا لها مشاكسات مع روسيا في سوريا استطاعت أن تحرك الدب الروسي وألمانيا الدولة الاقتصادية الكبرى ليتم حل الازمة الليبية.

    

وكما قلت فلا حل لليبيا إلا عن طريق جناح في مجلس الأمن ولذلك جاء الجناح الذي امتنع عن التصويت في أول الأزمة وهو روسيا والصين وألمانيا فتحركا بحثا عن حل جديد يخدم مصالحهم بمساعدة تركيا التي أصبحت شريكا أمنيا وبحريا لحكومة الوفاق وإيطاليا منافسة فرنسا في ليبيا ثم تم ضم الجزائر لهذا الحلف الذي يسعى للحل وفقا لتوازنات دولية جديدة، فالجزائر بحكم الجوار لليبيا وبحكم أن لها جيش ومخابرات قوية إقليميا وتستطيع الفصل، وتركيا بالعامل السياسي لأنها حليفة لحكومة شرعية تعاني في ليبيا وروسيا وألمانيا اللذان يريدان جزءا كبيرا من الكعكة الليبية التي تجاهلتهم فرنسا في أول الأمر حولها.

آمال النجاح

هو هذا التحالف أجبر الطرف الأخر على وقف إطلاق النار والذهاب إلى موسكو لتوقيع اتفاق جديد بين حفتر والوفاق، ثم سيغطيه مؤتمر برلين لتتويج الحل كاملا، لكن يبدو أن عدم توقيع حفتر على اتفاق موسكو سيؤجل الحل قليلا وربما سيفرض بعض القتال على الواقع ليقتنع الطرفين أن الحل السياسي هو الأنجح، لكن يبدو أنه سينجح ولو بعد حين.

 

الجزيرة نت