هل يمكن إحراق كتب أرسطو و تلامذته الاستعباديين؟!/ زايد المسلمين

خميس, 02/05/2019 - 08:41

هل نستطيع احراق كتب ومقالات الاستعباديين من الفلاسفة الاغريق،او كتابات خلفهم من الفلاسفة الشهيرين العنصريين كما فعل البعض بمختصر خليل وشراحه ام ان للحضارة الغالبة سيادة تمنع من احراق اناجيلها   و الحضارة المغلوبة فقط هي صاحبة الحظ العاثر ؟

في تداعيات الاصرار من الزملاء الايراويين علي التمسك بالاحتفاء باحراق الكتب الفقهية التي تتناول احكام ملكية الرقيق وملكهم وعتقهم كظاهرة احتجاج علي النص الفقهي المستند عليه لاباحة الاسترقاق ، يتسرب الي الذهن بمقتضي هذ المنطق ان الموجب الذي استندوا عليه المحرقون يجب الاخذ به للتعامل مع اي كتب تبيح ممارسة   العبودية او الكتابة عنها  او استساغتها  فالكثير من الانتاج البشري الفلسفي والديني والتعليمي يجب التخلص منه  في محرقة عالمية ستوفر لنا الكثير من الطاقة الكهربائية التي نحن بحاجة اليها وإتلاف مكتبات عالمية شهيرة  ، وهكذا فانه يجب  التخلص من كثير من التراث الفكري والفلسفي  لفلاسفة  بارزين وان يوصف  تلامذة سقراط المعلم الاول 469ـ 399 ق م  من أفلاطون  427 ـ 347 ق م  وارسطو 384 ـ322 ق م   وحتي  بعض فلاسفة القرن العشرين بالاستعباديين القذرين .

لقد  كانت جمهورية  أفلاطون الفاضلة بها عبيد وكان أرسطو يرى أن العبودية أمر بديهي وكان من أشد المؤيدين لها والحريصين عليها .

برغم ذلك الأثر الحضاري الذي تمخّض عن ظهور ما يسمى بالمدينة الفاضلة ، للمدرسة الأفلاطونية في الفكر البشري فا نها نظَّرَتْ  للمسوّغات الفلسفية التاريخية للعبودية، وذلك عندما قام أفلاطون بتقسيم البشر إلى صنفين: يونان عاقلين وبرابرة متوحشين، فكلّ من لم يكن يونانياً ولا يتكلم اليونانية فهو بربري متوحش، وهو وحده الجدير أن يكون عبداً لليوناني، وهنا أقام أفلاطون فكرته للعدل ليس على أساس المساواة بين البشر، وإنما على أساس التوازن بين طبقات المجتمع التي تقوم فيه كل طبقة بالإلتزام بأداء واجباتها دون المساس بالطبقة الأخرى، حيث يختل التوازن الاجتماعي في نظر أفلاطون إذا تجاوز أحد حدودَطبقته كما لو حاول صانع الفخّار أن يقوم بعمل الجندي أو الحاكم، وهو ما جعل الاسترقاق في نظر أفلاطون ظاهرة طبيعية يتسبب في صناعتها امتلاك الفرد لنصيب من العقل المميز كاليوناني.

لم يختلف الأمر كثيراً مع أرسطو الذي سار على نهج أستاذه في اعتبار الرق نظاماً طبيعياً، لكن تتحكم فيه هذه المرة تلك الميزة الجسدية التي يتميز بها اليونانيون عن غيرهم من البرابرة والتي لا يصحلون معها للقيام بالأعمال الشاقة والغليظة  وانما يصلح لها العبيد بشكلٍ جيد، غير أن أرسطو يربط الرق بالضرورة الاقتصادية فيقول: إن الملكية هي أداة للمعيشة، وأن العبد ملكية حية وأداة تعمل بما تؤمر به، ولو كانت كل أداة يمكنها أن تشتغل من ذات نفسها بما أمرت به، ولو كانت (المسكوكات) تنسج وحدها بذواتها، ولو كانت القوس تلعب وحدها على القيثارة لاستغنى أرباب العمل عن العمل والسادة عن العبيد، وما دامت الآلة لا تشتغل إلا بقوة العبيد والأرض لا تنبت الحب إلا بسواعدهم، فإن الرق يبقى ضروروياً لاقتصاد الأسرة والمدينة التي لابد لحياتها من أن تشتمل على أحرار يحكمون وعبيد يعملون”، ومن وجهة نظر أرسطوا فإن العبودية ليست فقط شيئاً مربحاً للسيد الذي يمتلك أساسيات الحياة، ولكن للعبيد الذين كانوا يحصلون على النصح والمشورة من السيد.

إن الملاحظات الموجزة حول رأي أفلاطون وأرسطو في الاعتراف بالعبودية باعتبارها ناجمة عن خصائص ذهنية وجسدية تميّز بين الأفراد، يُعدّ أمراً مستغرباً لدى فيلسوفين ساهمت أفكارهما في بناء الحضارة البشرية، وهي حالة نجدها كذلك عند أحد الآباء المنظرين لليبرالية الكلاسيكية  الفيلسوف التجريبي الانكليزي  ” جون لوك”، ت 1704 في كتابه” مقالتان في الحكم المدني :

ففي المقالة الثانية التي تمثّل مرتكزاً مهماً في تراث الفكر الليبرالي الكلاسيكي والذي يدافع فيها جون لوك عن ” الحقوق الطبيعية” للفرد والمتمثلة في؛ الحرية،والملكية،و الحياة، وفي تأصيل حدود الحكومة العادلة وفصل السلطات وتسويغ التمرد عليها إن لم تكن عادلة،  يقول بطريقة مدهشة وفي نفس النص “تعتبر حالة العبودية “حالة بائسة وبغيضة” وفحوى الدهشة هو تناقض جون لوك بين تنظيره  وتطبيقه  فقدكان أحد المستثمرين في شركةٍ نالت احتكار تجارة العبيد في ساحل إفريقيا” الشركة الأفريقية الملكية” التي قامت بتصدير ما يقرب من 90 ألف عبد على مدار 16 عام إلى حقول الزراعة في المستعمرات الأمريكية، وهو تناقض بين فكر جون لوك وبين ممارساته العملية في الحياة، وما يزيد من حجم الدهشة أن جون لوك كان أحد المؤسسين لنظام العبودية في المستعمرات الأمريكية، فقد كان مسؤولاً عن تعديل واحدة من المواد الأساسية على نص ” الدساتير الأساسية لكارولينا” وهو النص الذي كان بمثابة نص مؤسس للعلاقات القانونية في المستعمرة البريطانية” كارولينا” في أمريكا الشمالية، وهي المادة رقم 101 والتي دارت حول علاقة رب العمل بالعامل، فقبل التعديل كانت المادة تنص على”انه يتمتع كل رجل حر في كارولينا بسلطة مطلقة على عبده الزنجي في غير ما يخص الدين والرأي”، أما الإضافة التي صاغها جون لوك في تعديل جملة ” سلطة مطلقة” إلى ” سلطة وقوة مطلقة”، والفرق بين السلطة والقوة هنا هو أن القوة- كما شرحها في المقالة الثانية من الحكومة – تمنح السيد الحق في سلب عبده الحياة، أي عدم تجريمه في حال قتله لعبده ، أمّا الجزء المتبقى من المادة والمتعلق باستثناء حرية التدين فقد يبدو في ظاهره نوعاً من “احترام حرية العبد الدينية” لكنّه في حقيقة الأمر انعكاسٌ لصراع بين الكنائس وملاّك العبيد حول مسألة ما إذا اعتنق العبد المسيحية، فهل بذلك يصبح حرّ اً؟   وعليه فقد جاء النص ليمثل نوعاً من التسوية بين الطرفين، حيث أعطى للسيد حقوقاً مطلقةً على العبد، وفي الوقت نفسه أعطى للكنسية حرية تبشير العبيد وتحويلهم للمسيحية، وقد انتجت هذه التسوية نوعاً من التحالف بين الكنائس وملاك العبيد على حساب العبد نفسه، وهو التحالف الذي بتفككه فيما بعد أفضى إلى بداية النهاية لنظام العبودية الأمريكي، الملاحظ هو أن جون لوك، ظلّ على مدار حياته داعماً لهذه التسوية، ذلك أنه كان يستشهد بنصوص من الكتاب المقدس تؤكد أن اعتناق العبد المسيحية ليس مبرراً لمنحه الحرية، أي أن بعض الفرق الدينية المسيحية مثل الكويكرز في ذات الوقت كانت أكثر معاداة للعبودية من” فيلسوف التنوير والليبرالية” جون لوك   .

كتاب (( أمراء الاستعباد ؛ الرأسمالية وصناعة العبيد ) والذى نشره موقع المجتمع الديمقراطى للكاتب والباحث  ( رمضان عيسى الليمونى  ) الفصل الثانى مدن فاضلة، أم مدن عبودية؟

وفي مقال تم نشره  في موقع حكمة الفلسفي بتاريخ اربعة فبراير ألفين وثمانية عشر  بقلم   

دة: كريس مينز، بروفيسور الفلسفة في جامعة يوتركتاو اوترخت ترجمة ميعاد حربي  َيردُ :”وقد قسّم الفيلسوف الالماني ايمانويل كانط ت 1804 م على سبيل المثال البشر إلى “بيض” و”سود” و ” والعرق الهوني (المغولي أو كالموك)” و “الهندو أو الهندستناي”، ذاكرا بشكل عارض في محاضراته عن الجغرافية الجسدية أنه ” تكمن الإنسانية في أعظم كمالها في العرق الأبيض.” وقد استخدمت  الأفكار عن تراتبية الفصائل البشرية لتسويغ كيف أساء الأوربيون معاملة السكان المحليين  ،على الرغم من أن هذه الممارسات التمييزية بدأت نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية، فإن النظريات ‘العلمية’ التي تبرر هذا النوع من العنصرية بدأت تظهر في إسبانيا والبرتغال في القرن الخامس عشر، وبعد اكتشاف أمريكا توسعت تلك النظريات لتبرير أفكار عنصرية مماثلة تجاه السكان الأصليين والآسيويين وفي وقت لاحق الأفارقة المستعبدين. اذا  كان الأمريكيون الأصليون والأفريقيون ليسوا بشرا كاملين على أي حال، فإنه لا بأس من إساءة معاملتهم واستغلال أجسادهم ومواردهم وكسر روابطهم الأسرية ومسح تاريخهم الشخصي. لقد اخترع الأوربيون مفهوم العرق لتبرير الاستعباد وسموه علما.

لقد تصور الفيلسوف  تشالز ميلز هذه الأحداث الحديثة المبكرة على أنها ابتداع “العقد العرقي” في كتابه الذي ألفه  تحت نفس العنوان. وهو اشتقاق مغاير عن الكتاب الشهير “العقد الاجتماعي”، إذ يوافق هذا العقد العرقي مجموعة من البشر المصنفين أنفسهم كبيض بناء على معايير ظاهرية معينة، بأن صنّف جميع البشر المتبقين على أنهم “غير البيض”. والموافقة على معاملة البيض كأشخاص كاملين، بينما ينحدر الملونون في منزلة أقل من الأشخاص الكاملين أو “أقل بشرية” ومع “منزلة أخلاقية أدنى”. وبهذا المنظور، فإن العقد العرقي اتفاق ضمني بين البيض لمنحهم امتيازا مختلفا  لكي يستغلوا أجساد وأراضي وموارد أولئك المصنفين على أنهم “غير بيض” وحرمانهم من الفرص الاجتماعية والاقتصادية. فالأخيرون مجرد “أغراض” حية يحكمها العقد.

وقد كان الفيلسوف والاقتصادي الانكليزي ديفد هيوم،ت 1776 والذي لايزال محل تقدير ضمن أوائل من قبل بتعدد الأصول البشرية، واعتبر أن الناس الملونين “أدنى طبيعيا” من البيض. يقول (هيوم) في مقاله “عن الطابع الوطني” المنشور سنة (1748):

“لم توجد قط دولة أكثر تحضراً في أي سحنة أخرى أكثرمن البيضاء. ولاحتى شخص بارز سواء في العمل أو التفكير، ناهيك عن مستعمراتنا، هناك عبيد زنوج منتشرون في جميع أنحاء أوربا لم يكتشف أي منهم أعراض الإبداع على الإطلاق .

 يعتبر كانط واحدا من أكثر المنظرين الأخلاقيين تأثيرا في العصر الحديث. ولكن كانط، بانيا على هيوم، أطلق الأنثروبولجيا العنصرية. يقبل كانط بتعددية الأصول البشرية وأنه يمكن للبيض فقط أن يحصلوا على الإرادة الحرة والقدرات الأخلاقية والعقلانية الكاملة في النظام التراتبي للفصائل البشرية – . كان لمساواتية كانط الأخلاقية نطاق محدود الكم، إذ أنه انطبق على البيض فقط. سمح له بروزه أن تصبح تلك الأفكار مغروزة في تصنيف الإنسانية حتى عمق القرن العشرين.

توجد أنظمة الرق بصيغ وثقافات عدة، من بينيستي في اليونان القديمة، إلى الطبقة النبيلة في أوائل السلالات الكورية، والتجارة العثمانية للرقيق، وحتى عبودية الدين في أوروبا الوقت الحاضر. يعيش نحو45.8 مليون شخص حالياً في صيغة ما 

من الاستعباد وفقاً لـ 

Global slavery index.

ومع ذلك، جلبت الفترة الحديثة المبكرة تغييراً أساسياً ودائماً في مفاهيم الرق..

الفيلسوف الانكليزي الشهير توماس هوبز 1679 يري  أن مرحلة السادة والعبيد هي مرحلة أساسية في الجنس البشري وأنها من مقتضيات عصور بشرية أصيلة .في حين يرى الفيلسوف الالماني هيجل 1831 م أن وعي السيد أرقى وأعظم إنسانية من وعي العبد – فالعبد خاف من الموت من أجل قضاياه فصار عبدا أما السيد فهو الذي لم يأبه بالموت ووقف أمامه ليحصل على حريته فصار سيدا- والاذعان أمام الموت لم يهييء للعبد فرصة تجاوز طبيعته المادية فهو بالتالي أقل حرية من سيده .. فالوعي العبودي لا أهمية عنده إلا الحفاظ على الذات ولذا هو يظل عبدا .ويرى هيجل أن العبد يحقق متعته في خدمة سيده وهو في ذلك يسعى إلى الرغبة في الاعتراف والعبد لا يتمرد على سيده أبدا لأنه أصلا لا يعرف أنه ينقصه شيء فرغباته المادية يحققها من أموال سيده ورغباته فوق المادية مثل الرغبة في الاعتراف يحققها ببراعته في عمله بل وكلما كان أكثر اخلاصا لسيده كان اكثر تحقيقا لهذه الرغبة لذا فالعبد لا يشعر أنه عبد بل يتحرك في إطار عقلاني يستوعبه ويستوعب سيده لذا لم يتمرد العبيد وإنما الذين تمردوا هم الباحثون عن الحرية للعبيد فالعبد في البداية والنهاية مسوق إلى الدور المطلوب منه – كالسيد تماما – ..وعندما قال جون لوك إن الملوك في أمريكا القديمة والذين كانوا يملكون أراضي شاسعة هم أفقر ماديا من عامل انجليزي في ورش مانشستر فهذا صحيح على المستوى المادي ومستوى المتع التي يحصل عليها العامل لكن الملك لديه من يعترف به فتزداد سعادته فالسعادة قيمة نسبية لا علاقة لها بالوسائل المادية المتاحة.

الصفحة ١٧٤ و١٧٥ من كتاب نهاية التاريخ لفرانسيسكو فوكوياما . 

وقد أكد كارل ماركس على أهمية الرقيق وأنهم عصب الحياة الإقتصادية ولو تخيلنا إلغاء فوري للرقيق فإن هذا يعني إلغاء فوري لأمريكا الشمالية ” فالرقيق يُشكل فئة اقتصادية ذات أهمية قصوى. فبدون رقيق، فان أمريكا الشمالية، الأمة الأكثر تقدماًستنهار ..إنهاء الرق معناه إزالة أمريكا الشمالية.”

في مقال  عن الفلاسفة العنصريين عمومًا: هايدغر على وجه التحديد / ترجمة: فاطمة الزهراء علي 

يقول  صاحب المقال ، تنحى غونثر فيغال؛ أكاديمي ألماني؛ من منصبه كرئيس لجمعية مارتن هايدغر، كي لا يتمّ ربطه – على مايبدو – بمعاداة هايدغر للسامية. الجنوح لمعاداة السامية في أفكار هايدغر تمّ توثيقه في الآونة الأخيرة مع مستوى جديد من الدِّقة بنشر دفاتر ملاحظات كُتِبت بين عامي  1931و 1941، والتي يقدم فيها هايدغر آراءه بخصوص “يهودية العالم”، و”مكائد” اليهود، بالإضافة إلى “موهبتهم في الحساب” التي أتاحت لهم “التأثير في كل مكان”.يمكن للمرء أن يجد بالتأكيد معاداة أكثر صخبا وهيجانا للسامية بين كتابات الفلاسفة الآخرين المشهورين والمؤثرين في القرن العشرين، ولا سيما جوتلوب فريجه “أبو الفلسفة التحليلية“، غير أن التركيز على هذه الفكرة، أو ربطها بأي أهمية حقيقية، سيكون من شأنه أن يضع للمرء معايير منخفضة للغاية. هايدغر كان معاديا للسامية وكان عنصريا. لا يوجد أي مبرر لمحاولة إعادة تأهيله وتقديمه بأنه “أقل عنصرية” من بعض أقرانه ومعاصريه. ولذلك يجب أن يُشجَب صراحة، دون تلطيف أو تردد. إلى هذا الحد؛ كان لدافع الدكتور فيغال أساس منطقي.

وبغض النظر عن دوافع الدكتور فيغال فإن الضجة التي أحاطت بموقفه تقدم لنا فرصة سانحة للتأمل في سؤال مهم، يثيره هذا “الشأن” برُمَّته. كيف علينا أن نفكر في حقيقة أن كثيرا من الفلاسفة المهمينين في العصر الحديث كانوا عنصريين و / أو أنصار الطابع البشع للتمييز الجنسي؟

أو بالأحرى؛ كيف علينا أن نفكر في الموقف من كتبهم، على ضوء حقيقة أن التحيزات السياسية لكثير من أولئك الكُتّاب كانت مع مشاريع سياسية مُروعة، مثل: تفوق العرق الأبيض، الكراهية المتطرفة للنساء، معاداة السامية، والاستعمار. 

ماذا لو ذكرنا قلة منهم على سبيل المثال؟

لو كانت فاشية هايدغر ومعاداته للسامية حالة معزولة لقمنا باستبعاد هذه “التفاحة الفاسدة” باعتبارها حدثا فرديا، لا شبيه له ولا علاقة حقيقية تربطه بالتقاليد الغربية الفلسفية الأوسع، ولا يهددها إلا بخطر واه وبنوع زائف من “الجُرم بالتبعية” في نهاية المطاف. هذا بالتأكيد من شأنه أن يوفر للجميع دافعا للنأي بأنفسهم عن هايدغر، بأسلوب فيغال، وربما قد يتطور الأمر إلى التوقف عن قراءة هايدغر أو أخذ إنجازاته الفكرية على محمل الجد (الأمر الذي لم يرغب به فيغال نفسه، وقال أنه لن يفعل ذلك). يا للحسرة  !

إن هايدغر على أي حال ليس “ناشزا” أو شاذا في نوعه. عوضا عن ذلك؛ إنه يمثل حالة مألوفة جدا، بل طبيعية في تاريخ الفلسفة الغربية الحديثة: عنصرية “الفيلسوف العظيم”.

أ) كمثال أولي؛ لنتذكر ريادة ديفيد هيوم (بمعناها المزدوج) إعلان تفوق العِرق الأبيض: في قوله “أنا أميل للاعتقاد بأن الزنوج، وبصورة عامة جميع الأعراق البشرية الأخرى، أقل شأنا بطبيعة الحال من العِرق الأبيض. لم توجد أبدا أي أمة متحضرة من غير ذوي البشرة البيضاء، ولا يوجد من بينهم حتى أفراد بارزون في العمل والتفكير”.

ب) “فيلسوف عظيم” آخر؛ إيمانويل كانط، أثبت تأثير وجهة نظر هيوم المُرتابة في الاستدلال الاستقرائي لمشروعه الخاص المعني بتطوير “المثالية المتعالية”، وبقي بمنأى عن المشاكل التي أثارتها الرؤية التجريبية للمعرفة. لم يسِر كانط على خطى هيوم في المستوى الإبستيمولوجي فحسب، بل إنه اقتدى بعنصرية هيوم أيضا. فوفقا لكانط؛ الذي توسّع مبكرا في مجموعة كبيرة من نظريات العِرق العلمية الزائفة؛   فإن السكان الأصليين في الأمريكيتين “عاجزون عن خلق أي ثقافة”، لذا فإن درجتهم “العِرقية تنحدر إلى ما دون العِرق الزنجي بكثير والذي يحتل أدنى المستويات التي أشرنا إليها في إطار الاختلافات العِرقية”.

ج) عاشق المساواة والحرية الشهير؛ جون ستيوارت ميل. مثل هيوم وكانط؛ اعتقد ميل   أن الشعوب غير الأوروبية لا تتمتع أساسا بالكفاءة، وتفتقر إلى القدرة على الاستقلال وتقرير المصير. ووفقا لميل؛ فإن السيطرة الاستعمارية لم تكن فقط أمرا جيدا بشكل عام، بل إن اعتبار سلوك المستعمِرين أمام “الشعوب الهمجية” غير قانوني أو غير أخلاقي هو خطأ جسيم. على العكس من ذلك؛ جادل ميل أن “الطغيان هو الوضع الشرعي للحكومة التي تتعامل مع البرابرة”، كما يقول في كتابه؛ في الحرية، فإن الشعوب المستعمَرة كالأطفال، تحتاج إلى “تحسين” بالطاعة القسرية للمشْرِفين “الخيّرين”.

د)   المثال الاخير هو الفيلسوف جوتلوب فريجه (توفي عام 1925) والذي اشتهر على نطاق واسع بأنه مؤسس ما صار يعرف بـ “الفلسفة التحليلية”. فريجه كان واضحا تماما بشأن عدائه الشديد للسامية وللديموقراطية، وولعه بالسياسيين القمعيين الفاشيين المعادين للسامية (وخاصة أدولف هتلر وإريك لودندورف؛ القادة المشاركون في انقلاب “بير هول”).)يمكن القول أن صوت فريجه كان عاليا في شجبه لليهود والزنوج والماركسيين؛ أعلى حتى من هايدغر كان فريجه قلقا بشكل خاص من حصول اليهود في جمهورية فايمار (نشأت في ألمانيا عام 1919 عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى واستمرت حتى عام 1933 بعد تولي هتلر منصب المستشارية ورئاسة الجمهورية) على حقوق مدنية متساوية جنبا إلى جنب مع “بقية الأعراق التي تحت رعايتنا وتُطالب بأن يتمّ اعتبارها ألمانا”.

يسترجع فريجه بحنين ذكريات صغره، وكيف أن “اليهود لم يُسمح لهم أن يبيتوا ليلة واحدة في مدينته الأم؛ فيسمار. كان يُسمح لهم بالمجئ في المعارض السنوية فقط، وكان يُدَقُّ لهم جرس للدخول إلى المدينة، ويُدقُّ لهم جرس للخروج منها”.

بالتالي؛ هايدغر ليس بأي حال من الأحوال مثالا معزولا. المشكلة هنا عامة جدا، لدينا 

– إلى جانب هيوم

وكانط

وميل

وفريجه – عدد من الأمثلة الأخرى: 

عداء روسو الشديد للمرأة .

ادعاء هيغل أن الأفارقة ليس لهم تاريخ.

دفاع جون لوك عن استعباد الأفارقة والسلب وتشريد الشعوب الأصلية … وهلم جرا.

مفاهيم كانط للعقلانية (المعاملة كوسيلة) وللإنصاف (المعاملة كغاية) تمّ تعريفها – جزئيا – بالتباين مع مفاهيم اللاعقلانية التي تحوي عنصرية خفية في فكر كانط. فـ “التنوير” نفسه على وجه الخصوص؛ يعتبر (كما يزعم كانط) تجسيدا تاريخيا “لنضج” العقل البشري؛ كما يعتبر أيضا من قِبَل كانط إنجازا أوروبيا. وبالتالي؛ فثمة تشابك بين مفهوم العقلانية لديه والنضج الإداركي من جهة، والأحداث الطارئة على الثقافة الأوروبية الحديثة ومشاريع الاستعمار والهيمنة الناشئة من جهة أخرى.

يمكن أن نستخلص وجهة نظر مشابهة من مفهوم ميل لـ “الحرية”، بوصفها أحد متطلبات النضج، و”البرابرة” لديه كانوا شبيهين بالأطفال. تمايز  أوروبا “المتحضرة” عن “البرابرة” كان عنصرا أساسيا في فهمه للحكم الذاتي الذي أتاح للبيض أن يكونوا أحرارا، وأن يكونوا بمثابة “الطغاة الخيّرين” فيما يتعلق بعلاقتهم مع الشعوب المستعمَرة.

إلى أي استنتاج يجرنا أشخاص مثل هيوم وهايدغر وفريجه وكانط وجون ستيوارت ميل؟ 

هل نعتبر إنتاجهم الفكري ملطخا على وجه كامل؟ أو لنقل بشكل أكثر صرامة: هل فقد إنتاجهم الفكري مصداقيته تماما بسبب الارتباط والتشابك القائم بين تصوراتهم الفلسفية والأفكار أو الافتراضات العنصرية (و/ أو الاستعمار، التمييز الجنسي..إلخ)؟ هل يجب علينا التوقف عن تعلم ودراسة وقراءة مؤلفات أولئك الأشخاص، والتوقف عن محاولة الاشتباك مع أفكارهم  ؟

الخلاصة

ان الانتاج البشري سواء كان فلسفة او فقها يجب التعامل معه بالنسبية في الحقيقة والتأريخية في الورود الا انه في النازلة هذه فان  الفقه مرجعه النص المعصوم  وان تنزيل ذلك النص علي الواقع لابد من مراعات المرحلية  فهو استنفد غرضه ومرحلته التاريخية بانقضاء حالة الاسترقاق معاملة بالمثل ” فاما منّا بعد واما فداءا ، مع ملاحظة ان النص الشرعي تحدث عن احكام رقيق وليس عن اسباب استرقاق .                                     

ثانيا:  انه لسلب النص قوته التبريرية للفعل  يجب التمسك بالواقع والتاريخ والناي عن النص فالرق ظاهرة تاريخية أدمنتها مجتمعات القوة منذ أن اختار الإنسان أن يسترق أخاه بدل أن يقتله ، وعرفت من قبائل سكان وسط اوربا باختطافهم افراد القبائل السلافية واستعبادهم ومنها نشأت اسكلاف في اللغات اللاتينية .

وفي افريقيا عرفت لمقتضى التطور من ممالك الداهومي وحتى ممالك السونغاى ، ما يقتضي منا وضعها في سياق تاريخي محض من الصراع البشري أو التطور التاريخي، دون الاضطرار إلى نقلها لجعلها سلوكا خاصا بجنس أو دين معين ، وبهذا نضمن التأريخية في النظر وسعة الأفق في المعالجة ، والبعد عن النص واحراق الكتب . فالإسلام الذي هو ديننا جميعا نص فقط في معاملة الأسرى على إطلاق سراح الأسير أو فدائه بمبلغ معين ولم ينص على استرقاقه إلا أن عادات الصراع آنذاك في المجتمعات العربية والمجتمعات المجاورة لها تتخذ عادة وعرف استرقاق الأسير فسايرها الإسلام في تلك العادة دون أن يخص ذلك بنص ومن باب ما عرف لاحقا في العلاقات الدولية بالمعاملة بالمثل، لكن الواقع وما جرى ارتكابه واتباعه في بلاد السيبة الموريتانية كان شيئا آخر منافيا لما عمل به الإسلام واستباحه ولو إلى حين ، ومن هنا نشأت الاشكالية التي نعيشها في موريتانيا وهي وجود نص يتحدث عن الاسترقاق بالمطلق يتخذه المسترقون مرجعا مقدسا لإباحة الاسترقاق ، وواقعا يخالف ذلك النص ولا ينطبق عليه وقد تحدثت ادبيات بعض فقهائنا الواعين عن هذا الواقع وهو أن الاسترقاق المعاش والمتبع في بلادنا بلاد السيبة لا علاقة له بالاسلام وإنما هو غلبة قوى على ضعيف فاسترق عمر الفوتي المسبيين من طرفه سواء كانوا زنوجا أو بيظانا  وباعت اسر ابناءها لاسباب  من اقتناء الخيل الي الحصول علي الملح ، واسترق النهابةمن البيظان و السودان  السود سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، يقول الحسن بن محنض في كتابه ملخص تاريخ موريتانيا :

وادت هذه الحروب أي حروب عمر الفوتي إلى تلاشي ملك اولاد امبارك في المنطقة بينما ادى استرقاق جيش الحاج عمر للسبايا من نساء البياظين وتكاثر هذه السبايا وتعدد قبائلها إلى اعادة بعض الزوايا النظر قي مساندتهم للجهاد العمري ويشهد على ذلك قول العالم الشاعر سيد محمد بن محمد الصغير ابن انبوجه التيشيتي يخاطب ابناء جنسه من البيظان ويحثهم على مبايعة الحاج عمر الفوتي حتى لا تتعرض نسائهم للسبيي:

وأخاف يا بيض الجلود عليكم    ان لم تفيؤوا عاجلا ان تغنم

فينال بيض بناتكم ذل السبا      ويعمهن هوان فيء يقســـم 

فيكن من بيض القواسم عرضة    اما   لبيع      واتخاذ يهضم 

وقد قال احمدو باب المسوفي التينبكتي من علماء مملكة غانا وقاضي ومفتي ملكها ، (جل الأرقاء السوادين اعلما    احرار قاله الثقاة العلما) وألف في ذلك كتابه الشهير في حكم مجلوب السودان .

ومن هنا استنتج الفقيه ابو العباس الناصري في كتابه الاستقصى في تاريخ المغرب الاقصى جـ 5 ص 131فتواه بقوله ( وبهذا يظهر لك شناعة ما عمت به البلوى ببلاد المغرب من لدن قديم من استرقاق اهل السودان مطلقا …وهذا لعمر الله من افحش المناكر واعظمها في الدين إذ أهل السودان قوم مسلمون فلهم ما لنا وعليهم ما علينا ولو فرضنا ان فيهم من هو مشرك او متدين بدين آخر غير الاسلام فالغالب عليهم اليوم وقبل اليوم بكثير إنما هو الاسلام والحكم للغالب إلى أن يقول : 

والأصل في نوع الإنسان الحرية والخلو عن موجب الاسترقاق ومدعي خلاف الحرية مدع لخلاف الأصل ولا ثقة بخبر الجالبين لهم والبائعين لهم لما تقرر وعلم في الباعة مطلقا من الكذب عند بيع سلعهم واطرائها بما ليس فيها وفي باعة الرقيق خصوصا ما هو أكثر من ذلك ، كيف ونحن نرى أن الذين يجلبونهم أو يتجرون فيهم إنما هم من لا خلاق و لا مروءة ولا دين …… ولا يعتمد أيضا على قول ذلك العبد نفسه …….كما نص عليه الفقهاء….. فإن البائع لهم قد يضربهم حتى لا يقرون إلا بما لا يقدح في صحة بيعهم ..وقد يكون للعبد أو الأمة غرض في الخروج عن ملك من هو بيده بأي وجه كان … وقد استفاض عن اهل العدل وغيرهم أن أهل السودان اليوم وقبل اليوم يغير بعضهم على بعض ويختطف بعضهم أبناء بعض … فكيف يسوغ للمحتاط لدينه أن يقدم على شراء ما هو من هذا القبيل ؟ وكيف يجوز له التسري باناثهم ؟ …..فالحاصل أنه لما كان الأصل في الناس هو الحرية كما قلنا وعلم تواترا أن أهل بلاد السودان الموالية لنا جلهم أو كلهم مسلمون / لم يبق لنا توقف في أن الإقدام على شراء هذا الصنف محظور في الشرع والمقدم عليه مخاطر في دينه …. مع ملاحظة سد الذريعة الذي هو أحد أصول الشريعة لاسيما عند الامام مالك رضي الله عنه ما يقتضي وجوب التخلي عن ملابسة هذه المفسدة المزرية بالعرض والدين …فإن سبب الاسترقاق الشرعي الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح مفقود اليوم ….وخلافه خلاف الدين وغيره غير مشروع ….انتهى من الاستقصاء   .

زايد المسلمين