ترامب في الشرق الأوسط: الدولار أولاً وأخيراً!

جمعة, 30/11/2018 - 07:00

بقلم: محمد ياغي

منذ بداية الحرب الباردة، كان الشرق الأوسط منطقة صراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، وقد تم حسم هذا الصراع لحساب الولايات المتحدة حتى قبل سقوط الاتحاد السوفيتي بانحياز مصر لأميركا بعد حرب أكتوبر العام 1973. 

خلال سنوات الحرب الباردة وحتى نهاية ولاية الرئيس أوباما، كان للسياسة الأميركية ثلاثة محددات: دعم مطلق لأمن إسرائيل، حماية أمن الخليج العربي حيث مصدر الطاقة الأهم للعالم، وعدم الاعتراف بحق إسرائيل بالأراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة العام 1967.
صحيح بأن كل إدارة أميركية كانت لها في الشرق الأوسط علاماتها الفارقة أحيانا. 
مثلاً، الرئيس بوش الأب لم يرغب في إسقاط نظام صدام حسين لحسابات جيوسياسية بعد احتلال العراق للكويت واكتفى بطرده منها وتحديد قدراته العسكرية بينما بوش الابن أعلن الحرب على العراق واحتله لأسباب أيديولوجية. 
ومثلاً، بينما سَخَّرَ الرئيس كلينتون جزءا كبيرا من ولايته الثانية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الرئيس أوباما انسحب كلياً من هذا الصراع حتى لا يصطدم مع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل وما يتبع ذلك من أثمان سياسية محلية لا يرغب أي رئيس أميركي بدفعها. 

لكن هذه الفوارق بين الإدارات الأميركية المتعددة، لا تمنعنا من القول إن هنالك رؤية واضحة عملت بموجبها جميع الإدارات السابقة: حماية أمن إسرائيل ومناصرتها بغض النظر عن موقف إسرائيل من عملية السلام مع الفلسطينيين، عدم السماح لأي جهة بتهديد سلامة أمن الخليج والملاحة في الخليج العربي، والتأكيد للعرب بأن أميركا لن تقبل بالأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه على الأراضي التي تحتلها، حتى لو كان هذا التأكيد من باب المجاملة السياسية وبدون أفعال.
بماذا، إذاً، تختلف إدارة ترامب عن سابقتها؟ أو لا تدعم إدارة ترامب إسرائيل بلا حدود؟ أو لا تعمل إدارة ترامب على معاقبة إيران من "أجل حماية أمن الخليج"؟

الحقيقة أن ما يميز إدارة ترامب هو وجود أربعة عناصر في سياساتها لم توجد قط في أيٍ من الإدارات السابقة:
أولاً، وقاحتها، وجرأتها في هذه الوقاحة. لا توجد إدارة أميركية تجرأت على إهانة العرب والمسلمين وقياداتهم علناً وبشكل متكرر مثلما فعلت إدارة ترامب. لو حدث هذا لتركيا أو فرنسا أو لدولة جنوب إفريقيا لتم قطع العلاقات مع أميركا الى أن يعتذر الرئيس الأميركي علناً عن أقواله. 
وقاحة ترامب مصحوبة عادة بأكاذيب تعكس كراهيته للعرب والمسلمين واحتقاره لهم مثل الترويج بأن المسلمين في الشرق الأوسط تحديداً هم من يصدر الإرهاب لأميركا والعالم، وبأن دولهم لا تمتلك غير المال وهو فائض لديها يجب عدم تركه بين أيديها. 

هذه الرؤية الاستعلائية تفترض بأن المنطقة العربية عبارة عن صحراء مليئة بالأموال لا يعرف أصحابها ماذا يفعلون بها، وبالتالي من المسموح للأميركي الأبيض الأكثر رقياً وحضاره أن يستولي عليها؟! 
ثانياً، ترامب لا يحترم إلا "الدولار". جميع الإدارات الأميركية السابقة، حتى وهي تمارس الاحتيال السياسي، غلفت سياساتها بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. 
بوش الابن احتل العراق لنشر الديمقراطية؟ والإدارات ما قبل ترامب، "ناشدت" إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها من أجل الحفاظ على "الديمقراطية الإسرائيلية" وحتى لا تتحول الى دولة "أبارتهايد". وأوباما لم يتدخل لمنع سقوط أنظمة عندما شعر بأن الشارع العربي يرفضها ويطالب بالحرية والديمقراطية.

إدارة ترامب تقول صراحة، لا تعنينا الديمقراطية ولا حقوق الإنسان، ولا نكترث بأيٍ منها..كل ما يهمنا هو "الدولار" الذي يمكنه أن يخلق فرص عمل في أميركا. 
ثالثاً، أمن الخليج ليس أولوية أميركية كما كان الحال سابقاً. إذا كانت كلمة السر في سياسة ترامب الشرق أوسطية هي "الدولار" فإن هذا يعني أن كل سياساته في منطقة الخليج العربي، لا علاقة لها بحماية هذه الدول، ولكن بالمقابل المالي الذي ستحصل عليه "أميركا" مقابل سياساتها ضد إيران.
لنا أن نتخيل الآن لو أن دول الخليج العربي لسبب ما قد رفضت دفع الأموال التي يحلم ترامب بالحصول عليها منها، هل سيستمر ترامب في عدائه لإيران أم سيعمل على فتح صفحة جديدة معها ــ مثلما فعل مع كوريا الشمالية، من أجل تهديد دول الخليج العربي وابتزازها؟ 
من يؤجر سياسات بلاده وجيش بلاده من أجل "الدولار"، لا سياسة فعلياً له. هو يتبع سياسات الدول التي تدفع له. هذا لم يحدث في تاريخ أميركا، ولكنه يحدث في عصر ترامب.
رابعاً، ميزة ترامب الأخيرة عن غيرة من رؤساء أميركا، أنه أعلن الاستسلام وبدون شروط لليمين الإسرائيلي المتطرف. 
ليس فقط من خلال نقله للسفارة الأميركية للقدس واعترافه بها عاصمة لإسرائيل، ولكن في تشريعه لسياسة الاستيطان في الضفة وبعمله على تصفية قضية اللاجئين، وفي حديث لأفراد من فريقه عن استعداد إدارته للاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل.   

المسألة هنا لا علاقة لها بحبه لإسرائيل، ولكنها مرتبطة بقاعدته الانتخابية وبمن دفع لحملته الانتخابية العام 2016. قاعدته الانتخابية في الريف الأميركي ومن الفئة التي لم تكمل تعليمها الجامعي. هؤلاء أكثر التصاقاً بالدين فكرياً وبالتالي بالفكر التوراتي الداعم لإسرائيل. وهم أيضاً، أقل اهتماماً ومعرفة بقضايا العالم. 
أما ممولوه فإن جزءا منهم من يهود أميركا الأثرياء المرتبطين باليمين الإسرائيلي. ووفق الإعلام الأميركي، قام شيلدون أديلسون، الذي يمتلك مجموعة من الكازينوهات في أميركا بدفع 150 مليون دولار في العام 2012 لتمويل الحملة الانتخابية لمرشحين من الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس. 
وفي العام 2016، دفع مبلغ 100 مليون دولار لتمويل حملة ترامب الانتخابية واشترط مقابل ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية لها. 
وفي الانتخابات الأخيرة للكونغرس، كافأ أديلسون الحزب الجمهوري مقابل تأييده لسياسات ترامب تجاه إسرائيل بدعمهم بمبلغ 112 مليون دولار.
لا يوجد في سياسات ترامب ما هو مفيد للعالم العربي الرسمي. من يعتقد بأن سياساته ستصل الى مرحلة مواجهة إيران عسكرياً هو مخطئ لأن أميركا كانت ستفعلها لو أن هذا الخيار بلا تكاليف باهظة على أمن أميركا واقتصادها وعلى أمن إسرائيل معها.
حصار إيران قد يُطرب البعض الآن. لكن إذا لم تقم الدول الأوروبية بتعويض إيران عن خسائرها من الحصار، فإن إيران ستعود لبرنامجها النووي وفي هذا تهديد أكبر للأمن في المنطقة واستدعاء لسباق تسلح لا يمكن أن يجني العالم من ورائه غير انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة. 

كل ما سيفعله ترامب، هو محاولة للاستفادة مالياً من دول الخليج العربي، أو من تلك الدول التي لم تر في الاتفاق النووي الموقع مع إيران مصلحة لها، مقابل حصار اقتصادي على إيران، قد يستمر الى حين رحيل ترامب من البيت الأبيض على أبعد مدى. في هذه الحالة لا تكون هذه الدول قد حققت أي مكاسب سياسية تعادل الأموال التي دفعتها أو ستدفعها لإدارة ترامب مقابل حصاره الاقتصادي لإيران.
ترامب ظاهرة سيئة في السياسة الأميركية، على العرب رفضها ومحاربتها وعدم التعامل معها الى أن تختفي الى غير رجعة.

شاشة نيوز