إفريقيا تنتفض في 2019.. عام استثنائي بامتياز

أربعاء, 25/12/2019 - 12:50

لم يكن 2019 عاماً عادياً للقارة الإفريقية المتناثرة والممزقة لعقود بين 55 دولة ذات توجهات مختلفة ومصالح متضاربة، بل يمكن القول بأنه كان عاماً استثنائياً بامتياز، استطاعت خلاله القارة السمراء، تحقيق اختراقات نوعية على عدة مستويات، ففيه ذهبت جائزة نوبل للسلام إلى مواطن إفريقي قح، هو رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والذي دفع بأجندة إصلاحات اقتصادية وسياسية جريئة، مدعوماً بقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار، وستكون انتخابات بلد المائة مليون نسمة المقررة في أيار (مايو) 2020 حاسمة في تسريع اقتصاد يحمل آمال القارة، لكنها لازالت تناور لفك اشتباك متعاظم طال أمده مع جارتيها مصر والسودان، بسبب موقفها المتصلب إزاء مشروع سد النهضة، وتهديدها السافر للأمن المائي لأبناء وادي النيل.
في 2019، انتعشت آمال الأفارقة في تأسيس “منطقة إقليمية للتجارة الحرة”، تهدف إلى إزالة الحواجز التجارية والرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، وتوحيد سكانها البالغ عددهم 1.27 مليار شخص، بناتج محلي إجمالي يصل إلى 3.4 تريليون دولار، وفي هذا العام شهدت الاتفاقية، التي وقعت عليها 52 دولة أفريقية، تقدما هائلاً بانضمام نيجيريا، أكبر اقتصاد في القارة، ذات الوزن السكاني الهائل (190 مليون نسمة)، بعد فترة من التردد، حيث يطمح الاتحاد الإفريقي من خلال تمرير تلك الاتفاقية إلى زيادة التجارة البينية بين دول القارة إلى 36% من إجمالي التجارة الإفريقية في غضون خمس سنوات، من 18 % فقط حاليا، إضافة إلى اجتذاب استثمارات كبيرة وطويلة الأجل من شركات مثل مصنعي السيارات العالميين.
بطبيعة الحال، فإن الوضع الحالي ليس مقنعاً بالشكل الكافي لإفريقيا، حيث تتشكل القارة من 55 دولة متناثرة، وهذا ما يجعلها بشكل تقليدي صغيرة وضعيفة في النظام العالمي، وإذا استمر الوضع الحالي للقارة دون تكامل وتعاون، فسيكون لديها في الواقع آفاق تنمية متدنية للغاية.
خلال العام الذي أوشك رصيده على النفاذ، جرى تشكيل سياسي جديد في بقعة استراتيجية مهمة من القارة السمراء، فقد اندلعت ثورة السودان وانتصرت في نهاية المطاف على نظام الرئيس الراقص بالعصا، ليسقط البشير، ويمثل للمحاكمة، فيما يشرف مجلس عسكري- مدني هش على الانتقال الديمقراطي، بينما لا يزال الاقتصاد السوداني جاثيا على ركبتيه، والمؤكد يقيناً أن الأفارقة، قادة وشعوباً، سيراقبون عن كثب ما سيحدث في السودان خلال المرحلة المقبلة، والذي قد يكون ملهما لشعوب قارة أدمنت الانقلابات العسكرية.
على الصعيد الاقتصادي، تبدو شخصية مهمة مثل الملياردير الصيني جاك ما، مؤسس مجموعة “علي بابا” الصينية العملاقة، متفائلة بشدة تجاه نمو الاقتصاد الإفريقي، فقد زار أثيوبيا وغانا خلال تشرين الثاني (نوفمبر) ووقعت شركته “علي بابا” مذكرة تفاهم مع الحكومة الإثيوبية لإطلاق منصة للتجارة الإلكترونية، وهي زيارة مهمة، إذ تدرك القارة السمراء أهمية الاستثمارات الصينية في قارة تفتقر للبنية التحتية والمشروعات الاستثمارية العملاقة، أما جاك دورسي، الرئيس التنفيذي لموقع “تويتر”، فقد ذكر في 2019 أنه  سيقضي وقتا ممتعا في القارة السوداء خلال العام المقبل، ونشر تغريده كتب فيها: “إفريقيا ستعرف المستقبل، خاصة في العملات المشفرة.. لست متأكدا أين بالضبط، لكنني سأعيش فيها لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر في منتصف 2020”.
وفي قطاع التكنولوجيا المالية، تتعاظم المؤشرات على أن تلك الصناعة بات لديها أخيرا كتلة حرجة في إفريقيا، ففي الشهر الحالي وحده تدفقت 400 مليون دولار على شركات نيجيرية ناشئة، علماً بأن القطاع اجتذب استثمارات بنحو 1.2 مليار دولار في إفريقيا خلال مجمل 2019، ورغم أن هذا الرقم لا يزال دون المستوى المأمول، إلا أنه يعد قفزة بالنسبة لإفريقيا، حيث يقارب الرقم الذي حققته دول جنوب شرق آسيا قبل خمسة أعوام، والذي بات يجتذب الآن استثمارات سنوية بنحو ثمانية مليارات دولار.
في 2019، بدا تأثير التغير المناخي واضحا لا لبس فيه في قارة أسهمت بالكاد في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، رغم أنها ستكون أول من يعاني من هذا الكابوس، حيث اجتاح إعصار إيداي الاستوائي، موزمبيق وزيمبابوي وملاوي، في آذار (مارس)، وأودى بحياة 1300 شخص وشرد مليوني شخص آخرين، وبالرغم من ذلك لا يزال الجفاف المشكلة الأكبر، فقد أدى فشل المحاصيل في زيمبابوي، إلى ترك نحو ثمانية ملايين نسمة جائعين، وتسبب التصحر في تأجيج الصراع بين الرعاة الرحل والمزارعين المقيمين خاصة في مالي وإثيوبيا، الأمر الذي يترجح معه أن تخفف بعض الحكومات الإفريقية من قيودها على المحاصيل المعدلة وراثيا.

نقلا عن رأي اليوم