التدخل التركي و أجندة الأمن الديناميكية الليبية في ظل المخاوف الأمنية الإقليمية

أحد, 29/12/2019 - 11:18

في ظل وثبة الصعود التي تسعى اليها  تقترب  تركيا من التدخل العسكري  في الحرب الأهلية المتصاعدة  في ليبيا بعدما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن تصويت برلماني قد يسمح  بإرسال قوات تركية إلى ليبيا في غضون أسابيع لدعم الحكومة المضطربة بعد حصار طرابلس من طرف زعيم المليشيا خليفة حفتر منذ شهر أفريل 2019 .

فبعد تمرد عام 2011 الذي أطاح بالعقيد معمر القذافي الرئيس السابق، تعرضت ليبيا لإنفلات أمني غير مسبوق بسبب الاقتتال الدائر بين مختلف الفصائل،انتهى إلى افراز معادلة معقدة في توصيف الأزمة الليبية الحالية، والتي  تمثلت في انقسام ليبيا الى جزء يسيطر عليه مليشيا اللواء خليفة حفتر – الذي يصنف نفسه كرجل قوي يمكنه استعادة النظام في ليبيا مدعوما من عديد الدول على غرار الإمارات العربية المتحدة ومصر، وفرنسا، وروسي الى حد ما –  وقسم تحت سيطرة حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج – المعترف بها دوليا –  أمام تجاذبات واستقطاب المصالح الإقليمية لمجموعة من القوى العالمية والإقليمية باتجاهات مختلفة من أجل رسم مستقبل ليبيا الجديدة بعد الحرب، بهذا وجدت أنقرة  طريقا  جديدا لتوسيع نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول احتمالية تجسيد هذا التدخل ومدى نجاحه في حالة ما تم اقراره وتنفيذه بشكل رسمي في ظل غياب إجماع  وتوافق داخلي وخارجي حول إرسال قوات إلى ليبيا وخوض تركيا  مغامرة جديدة في حرب فوضوية أصبحت بالفعل معركة بالوكالة بين القوى الإقليمية، خاصة بعد أن احتدمت الاشتباكات حول طرابلس مؤخرا وإعلان خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، والذي يعتبره أردوغان زعيما غير شرعي عن بدء “المعركة الحاسمة” للسيطرة على العاصمة طرابلس.

المخرجات الاستراتيجية للتدخل أمام مؤشرات القوة وضيق الرؤية

أن اهتمام تركيا بليبيا  ليس عارضا جديدا، فطالما أبدت تركيا نيتها في تطوير سياسة التأثير الإستراتيجي وتطوير قدراتها التنافسية، فبعد الشرق الأوسط من بوابة سوريا إلى المتوسط من بوابة ليبيا منذ انطلاق شرارة ما يسمى بالربيع العربي في 2011 ووفقا لنص الاتفاقية العسكرية الاخيرة – والتي تتعلق بترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، وإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني- التي تعد دعما عسكريا يمكن لطرابلس أن تطلب المركبات والمعدات والأسلحة لاستخدامها في العمليات العسكرية والجوية والبحرية، و تبادل المعلومات الاستخباراتية الجديدة، طالما أنه كان هناك تعاون عسكري مستمر بين طرابلس وأنقرة من قبل، وهذا ما يفسر العوامل الكامنة للتدخل التي تنطلق منها تركيا نذكر أبرزها:

– العامل الاقتصادي، حيث تقدم ليبيا لتركيا  آفاقا ضخمة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار.

– العامل العسكري الذي يبرز رغبة  تركيا في إظهار قدراتها العسكرية عن طريق بيع الأسلحة لما يسمى بحكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس والسعي نحو انشاء قاعدة عسكرية تركية في ليبيا.

– العامل الاديولوجي والمتمثل في سعي تركيا لاسترجاع أمجاد العثمانيين بوصفها دولة راعية للإسلام والمسلمين.

– العامل الجيوسياسي الأمني، حيث أن تورط تركيا في الصراع الليبي هو أداة لتوسيع نفوذها في المنطقة بأسرها، ويمثل الصراع في ليبيا أيضا خط الصدع الجديد في الشرق الأوسط، أين تقع كل من تركيا وقطر من جانب والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومصر من جهة أخرى الرؤية التركية للمنطقة تتعارض مع السياسات الإماراتية والسعودية – الحرب بالوكالة بين الطرفين في كل من ليبيا وسوريا- لكن أهم فائدة لتركيا في هذا التقارب هو تقنين مطالبات المنطقة الاقتصادية في شرق البحر المتوسط ، وبالتالي إضفاء الشرعية على أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط قبالة ساحل قبرص المثيرة للجدل في المنطقة لتصبح تركيا من أكثر الدول تأثيرا في نقل الطاقة، وهذا سيعود عليها بفوائد استراتيجية سياسية وأمنية،لأن أمن تركيا يرتبط بالأمن العالمي لسوق الطاقة.

فكيف سيؤثر تدخل تركيا في ليبيا على الأمن والإستقرار الإقليمي وعلى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا؟

المخاوف الأمنية الاقليمية

لا شكل أن التدخل التركي في ليبيا سيزيد من إرباك المشهد و زعزعة الإستقرار  في ليبيا والمنطقة برمتها ما يشكل تهديدا أمنيا أكثر شراسة على دول الجوار  التي حسمت موقفها من الدخول في  تحالف مع أي طرف، ورفض أي تدخل غير دبلوماسي لحل الأزمة الليبية، وهو الموقف الذي تبنته كل من تونس والجزائر معتبرة  أن التدخل الأجنبي هو أحد أكبر العقبات التي تحول دون حل الأزمة الليبية وحرصتا على تأمين حدود الدولتين في حال التصعيد مستقبلا، أما  مصر فقد عبرت على لسان  رئيسها عبد الفتاح السيسي في منتدى للشباب في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الاحمر “لدينا القدرة على التدخل في ليبيا لكننا لا نفعل ذلك، وأعرب السيسي عن دعمه لـ  الجيوش الوطنية في ليبيا ، في إشارة واضحة إلى جيش حفتر الوطني الليبي،وتعد مصر منافسا إقليميا لتركيا وواحدا من الداعمين الرئيسيين للجيش الوطني الليبي الذي يقاتل القوات المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، لذلك  تحركات تركيا حسب مصر تهدف إلى محاصرة مصر وتقويض أمنها من خلال دعم حركة الإخوان المسلمين المحظورة.

موقف الاتحاد الأوروبي

رغم حرص أردوغان على أن تركيا لن تتدخل إلا بناء على طلب الحكومة في طرابلس في أحد تصريحاته “نحن لا نذهب إلى حيث لم تتم دعوتنا” غير أن التدخل التركي في ليبيا من المرجح أن يؤدي إلى سلسلة من الانتقادات الأوروبية، فالأوروبيون خائفون للغاية من نفوذ الرئيس التركي، من جهة  تصعيد  قضايا الهجرة  لدفع الحدود بعيدا عن تركيا، ويأتي تعهد تركيا بتقديم دعم عسكري لليبيا في وقت تتصاعد فيه التوترات بين أنقرة ودول الإتحاد الأوروبي على عدد من الجبهات – ليس أقلها تدخلات أنقرة العسكرية ضد الأكراد في سوريا في وقت سابق من هذا العام، علاوة على ذلك، وقعت أنقرة وطرابلس اتفاقهما الأمني والعسكري في الوقت نفسه بوصفهما مذكرة منفصلة عن الحدود البحرية ما أغضب اليونان، والتي طردت السفير الليبي من اتفاق الحدود البحرية، وفي هذا الصدد صرح نائب وزير الخارجية اليوناني ميلتاديس فارفيتسيوتيس لصحيفة ايثنوس  “يتعين على تركيا أن تختار ما اذا كانت ستتبع طريق العزلة الذاتية أو الاستمرار في لعب دور مثيري الشغب في المنطقة أو التصرف كجار جيد من الآن فصاعدا.”

إن موقف اليونان يستند الى خلفية انتهاكات تركيا لاتفاقية حظر الأسلحة التي تفرضها الأمم المتحدة على ليبيا مؤكدة المخاوف الدولية بشأن دعم أنقرة للقوات الإسلامية الليبية، أما الاتحاد الأوروبي فقد أعلن في بيانه تضامنه التام مع اليونان وقبرص  مشددا على ضرورة أن تحترم تركيا السيادة والحقوق السيادية لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في حين اكتفى ترامب بدعوة كل الأطراف الى  ضرورة حل الأزمة الليبية دبلوماسيا قبل أن تتفاقم معتبرا التدخل التركي خطوة استفزازية، و الوقت لا يسمح  بإثارة المزيد من عدم الاستقرار في منطقة  البحر المتوسط.

انعكاسات التدخل التركي في ليبيا في المستقبل القريب

– إن تدخل تركيا في ليبيا يأتي في سياق معركة إقليمية ودولية من أجل النفوذ، واعادة ترتيب مؤشرات القوة في المنطقة  قد تزعزع استقرار شمال إفريقيا وتهدد بإطالة أمد الصراع الليبي في حالة تمسك تركيا بموقفها، لذلك قد تجد تركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة نفسها في حالة نزاع عسكري غير مباشر في شمال إفريقيا، فمن المحتمل أن يكون اعلان تركيا تدخلها العسكري القريب موجها إلى الجهات الدولية الفاعلة المشاركة في ليبيا بدلا من اللاعبين المحليين إلى جانب الاتفاقية الأمنية، وهي  إشارة واضحة إلى أن تركيا تعتزم البقاء في ليبيا لفترة من الوقت، مع الحرص على وجود اتفاق بينها وبين روسيا، مثل هذا الإتفاق  حسب الطرف الأوروبي إذا تم فعليا، سيزيد من  تهميش دور أوروبا في المنطقة،  هذه الديناميكية الأمنية المربكة للأزمة الليبية تطورت أكثر بسبب عجز أوروبا عن اتخاذ موقف موحد اتجاه أطراف الصراع في ليبيا  بين  دعم فرنسا القوي لحفتر ، و مبادرة ألمانيا – فإذا أرادت أوروبا الحفاظ على موقعها ومصالحها في ليبيا، فسوف تحتاج  إلى إعطاء حياة جديدة لهذه المبادرة، وأن تستغل الفرصة لمعالجة العيوب في عملية برلين التي سمحت بحدوث مثل هذه التطورات، وهذا ينطوي على تشكيل موقف موحد بين الدول الأعضاء التي لها مصالح في ليبيا، وهذا أيضا يستلزم محاولات متضافرة لإقناع فرنسا بأن مصالحها الأمنية  يجب أن تتحقق بشكل أفضل على منصة أوروبية مشتركة تضغط من أجل ضمان  الاستقرار بدلا من دعمها لحفتر.

– من جهة استمرار تبني الولايات المتحدة الامريكية رؤية غير واضحة اتجاه  الصراع في ليبيا، قد يقوض أية مبادرة أوروبية  لحل الأزمة، لذلك فان التوافق الأوروبي والأمريكي متغير حاسم لوضع أجندة الأمن الليبي والإقليمي مستقبلا، أما إذا بقيت  أوروبا وفق اجماع الرؤى الأوروبية بدلا من ذلك متفرجا مترددا ، فسوف ترى نفسها تفقد نفوذها  من شواطئ طرابلس إلى شرق البحر المتوسط.

– التدخل التركي في ليبيا يضع مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في ازدواجية المعايير، من جهة سعي تركيا الى شرعنة اتفاقها مع ليبيا، ومن جهة أخرى مدى حياد الأمم المتحدة  في تعاملها أمام مصالح ومزاج الأطراف اللاعبة في الصراع الليبي، رغم إدراك تركيا ذلك فإنها تخطو خطواتها بثقة وحذر.

 

نقلا عن: رأي اليوم