أغلب الطلاب يملكون معتقدًا عتيدًا أنّ العطلة الصيفية وُجدت للراحة والاستجمام وإضاعة الوقت، وأنّ فكرة العمل أو التطوع أو حتى تطوير اللغة أو المهارات أمرٌ ينافي فكرة العُطلة ووجودها وفائدتها.
الحقيقة أنّ العطلة عبارة عن استراحة محارب في هذه الحياة يستغلها ليعيد شحن نفسه وتقوية قدراته واستعادة طاقاته التي أذهبتها الامتحانات والمذاكرة طوال العام؛ كي يعاود الدخول في حلبة مصارعة الجامعة وهو على أعلى قدر من الجاهزية. لستُ أعني هنا بالمصارعة التي تعرفونها وتشاهدونها في WWE … لا، لكنها المكافحة المعنوية في هذه الحياة ومحاولة الاستفادة مما هو متوافر من الإمكانيات والفرص المتاحة أمامك، وتجاوز السلبيات والمعوقات التي تقع في طريقك ولا تفيد بشيء إلّا تأخيرك عن الوصول لهدفك، وحتى معرفة المفيد من غير المفيد من الفرص والمعلومات والخبرات الحياتية التي تمر بها طوال رحلتك الدراسية والعملية.
استراحة المحارب هذه تتضمن أنشطة كثيرة يمكن أن تكون حافزًا لك في المتابعة بشكل قوي، حتى الترويح عن النفس والسفر لو كان بإمكانك ذلك، والخروج مع الأصدقاء للتسلية والمتعة هي أمور مفيدة تساعد في تجديد النشاط العقلي والذهني.
أحد الأمور المهمة التي عليك القيام بها في العطلة الصيفية هي إحدى أمرين: العمل أو التطوع … والحقيقة أنّ كلاهما يحقق لك نفس الفوائد إذا تجاوزنا أمر التحصيل المالي الذي يعطيك إياه العمل …
الخروج من قوقعة الحياة الجامعية والانفتاح على الحياة العامة
ليست الحياة كلها مثل الجامعة، لاحقًا ستكتشف أنّ الأمور مختلفة للغاية، وأنّه لا يكفي أن تحضر المحاضرات وتذاكر منها كي تنجح في النهاية، وتقضي أوقاتك مع زملائك في المقاهي والمدرجات وأنكم جميعًا أصدقاء على قلب واحد … الحقيقة الحياة ليست بهذه الروعة؛ لأنّك ستحتاج إلى الكثير من المهارات الإضافية العملية، وأيضًا ستتعلم كيف لا يكون الجميع صادقين معك، وقد يقولون لك عكس ما يبطنون ويسعون إلى سرقة مجهودك والظهور هم بدلًا منك.
بداية مشوارك المهني
كلما بدأت مسيرتك المهنية باكرًا كلما كان ذلك أفضل لك؛ لأنّك مهما حصلت على معدلات عالية في الجامعة هناك أمور لا تعلمك إياها الجامعة، ولا يمكن الحصول عليها إلّا من خلال الخبرة العملية، وخصوصًا أنّ الجامعات العربية أغلبها إن لم يكن كلها لا تعلّم إلّا الجزء النظري ويبقى الجزء التطبيقي والعملي الذي تتعلمه من خلال العمل والممارسة للمهنة، وكل يوم تتدرب فيه أو تعمل فيه هو رصيد تضيفه إلى خبرتك وأمور جديدة تتعلمها لم تكن تعرفها من قبل.
هناك الكثير من الأشخاص غير الطلاب والأساتذة
في الحياة تجد الموظف الزميل والمدير الذي يدير منصبًا أعلى منك، وفيها الذي من هو أدنى منك في المنصب وهناك الطلاب الذين ستكون أستاذًا لهم في وقت ما، هناك الموظفين الذين ستحتاج للتعامل معهم حين تريد إنهاء أوراق رسمية … التصنيفات كثيرة ولا حصر لها والتعامل مع كل صنف من هؤلاء الأشخاص في الحياة يحتاج مرونة كبيرة وخبرة، وأن تجد نفسك في مواقف جديدة لم تعدها من قبل وربما تتصرف بطريقة خرقاء. لكنها ستكون درسًا مهمًا لك في المرات القادمة.
في هذا العصر شبكة العلاقات الاجتماعية هي أهم من الشهادة الجامعية نفسها أو توازيها بالأهمية، كلما توسعت دائرة معارفك أفقيًا وعموديًا كلما استطعت تسهيل أمورك والقيام بما تريد، لا يعني هذا تفعيل الواسطة واستخدامها للحصول على أهدافك بطريقة غير صحيحة. بالتأكيد لكن ستكون الأمور أسهل بالطبع حين تعرف أشخاصًا في مجالات كثيرة واختصاصات أكثر.
تحمل مسؤولية نفسك ماديًا
إن لم تكن من عائلة أكثر من متوسطة ماديًا فأنت ستفكر في العمل ربما قبل التخرج من الثانوية؛ لأنّ المتطلبات صارت في هذا العصر كثيرة والغلاء أحرق الأخضر واليابس في كل المجتمعات، وصارت الدراسة عبئًا ماديًا كبيرًا على الأهل، فمن المنطقي أن تحاول أن تحمل جزءًا بسيطًا من هذه الأعباء من خلال عمل جزئي خلال فترة العطلة.
أيضًا من ناحية أخرى الشعور بالاستقلال المادي مريح للغاية، ويجعلك تشعر ببعض الحرية الشخصية؛ لأنّه طالما أنت تأخذ مصروفك من أهلك فأنت مقيد بطلباتهم ورغباتهم مهما كانت.
غاية الحياة هي العمل
تدرس وتتعلم وتتخرج من الجامعة لتعمل، فالعمل وتقديم خبراتك العملية للمجتمع الذي تعيش فيه هو غاية الحياة ولا معنى للحياة من دون العمل، ولا أقصد هنا بالعمل فقط ما تجني منه مالًا، بل حتى التطوع هو عمل بطريقة ما؛ لأنّك من خلاله تقوم بمهام عملية وتتدرب فيه على كيفية مواجهة المواقف والتحديات المختلفة التي قد تتعرض لها، وفي النهاية هناك إنجازات تقوم بها ونتائج ملموسة تراها بعينك، وأخرى هي تراكمات طويلة الأمد ستراها لاحقًا ويراها الجيل الذي يأتي بعدك.