مشهد تكرّر كثيراً في بلدان الوطن العربيّ تشهده حاليّاً الانتخابات النّيابيّة والمجالس الجهويّة والمجالس البلدية في الجمهوريّة الإسلاميّة الموريتانيّة، المقرّر إجراءها مطلع الشّهر القادم ما بين فوضي أحزاب ورقيّة يقترب عددها من المائة حزب. ولا برامج لديها ولا وجود حقيقيّ لها في الشّارع الموريتانيّ. وأحزاب معارضة يتّصف آداؤها بالتّخبّط ما بين مقاطعة الانتخابات بدعوى عدم وجود ضمانات حقيقيّة، وبين المشاركة بحجّة عدم جدوى المقعد الفارغ!
ونظام حكم يأخذ خطواته بثقة تتّصف بالحماقة لتنفيذ أجندته الحمقاء بالسّيطرة على مؤسّسات الدّولة، وإجراء تعديلات دستوريّة أخرى وصولاً إلى ما هو أبعد من ذلك.
ممّا يحيد بموريتانيا عن المسار الدّيمقراطيّ الّذي اكتسبته بعد الإطاحة بالرّئيس الأسبق معاوية ولد الطّايع بانقلاب أغسطس 2005 الّذي قاده الرّئيس "البدر" الرّاحل أعل ولد محمد فال.
هذا بالإضافة إلى أنّ القاعدة الانتخابيّة في موريتانيا كأغلب بلدان الوطن العربيّ، هي قبليّة بالأساس ولا شأن لها ببرامج الأحزاب إن وجدت!
فكسب ثقة القبيلة يمثّل انتصاراً مسبقاً في الانتخابات، وهذا ما دعمته السّلطات الحاكمة في الوطن العربيّ لسنوات طويلة عن طريق تعظيم دور القبيلة على حساب قيام المواطنة. ممّا يسهّل السّيطرة على العمليّة الانتخابية عن طريق شيوخ هذه القبائل .
البلد الّذي لا يزيد عدد سكّانه عن خمسة ملايين نسمة يتنافس فيه أكثر من خمسة آلاف مرشّح في خمس وخمسين دائرة انتخابيّة على مئة وسبعة وخمسين مقعد في البرلمان الموريتانيّ طبقاً للتّعديلات الدّستوريّة الّتي جرت أغسطس الماضي. ممّا يعني أنّ فرداً من كلّ ألف ترشّح في هذه الانتخابات!
المشهد الّذي تشوبه الكثير من العبثيّة بوجود أحزاب يسمع عنها النّاخبون لأوّل مرّة ومرشّحون مهرجّون قاموا بإزالة صور مشاهير وفنّانين وعارضي أزياء، ووضعوا وجوههم مكانها دون احترافيّة وبطريقة تثير السّخرية. وكأنّهم بصدد محادثة فتاة على الانترنت. وليس التّواجد في البرلمان بصدد القيام بتعديلات دستوريّة ومراقبة انتخابات رئاسيّة مزمع إجرائها العام القادم.
يشهد مشاركة قويّة للمرأة الموريتانيّة وتكاد تكون هذه، نقطة الضّوء الوحيدة في هذه الانتخابات ولكن هذا ليس غريباً علي الجمهوريّة الإسلاميّة الّتي تستفيد فيها النّساء الموريتانيّات من قانون "الكوتا" الّذي جرى إقراره سنة 2006. ويفرض تخصيص نسبة 20 % من مقاعد البرلمان للنّساء. وموريتانيا هي أوّل دولة عربيّة تترشّح فيها سيّدة لمقعد رئاسة الجمهوريّة.
عام 2003 عندما ترشحت السّيّدة عائشة بنت جدين في مواجهة الرّئيس الأسبق معاوية ولد الطّايع وتلتها الجزائريّة لويزة حنون عامي 2009 و 2014 وكرّرت موريتانيا الحدث عندما ترشّحت السّيّدة بنت مولاي أدريس في مواجهة الرّئيس الحالي محمّد ولد عبد العزيز عام 2014.
وانضمت لهما تونس مؤخّراً عندما ترشّحت القاضية كلثوم كنو في الانتخابات الرّئاسيّة التّونسيّة الّتي جرت في العام نفسه"2014" الّذي شهد بذلك ترشّح ثلاث سيّدات عربيّة على مقاعد الرّئاسة في موريتانيا وتونس والجزائر على التّوالي !
لكن في النّهاية هذا المشهد الّذي يشبه "اللّيلة الظّلماء" يشعرنا بفداحة رحيل الرّئيس الأسبق أعل ولد محمد فال "البدر"، الّذي ذهب مباشرة للشّباب قبل وفاته واجتمع بهم وطالبهم بتصدّر المشهد السّياسيّ والابتعاد عن القبليّة وشيوخ القبائل الّذين وصفهم "بالماديّين والمرتشيين".
بقلم: يوحنا أنور داود، صحفي مصري