لا يناسب مقام هذه الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان إلى بلادنا غير الترحيب والإكبار والإجلال، وما هذه الخلاصة إلا سبر لما للملكة العربية السعودية من أياد بيضاء على الشعب الموريتاني بشكل خاص وعلى أمة الإسلام وحضارته وثقافته، من خدمة معروفة ظاهرة لا يمكن إنكارها أو تجاوزها.
وسنحاول من خلال هذه الإطلالة المختصرة تسليط الضوء على النقاط التالية:
تاريخ وعمق العلاقة بين البلدين
أبرز مجالات الدعم السعودي لموريتانيا
بواعث الترحيب بالضيف الزائر
تاريخ وعمق العلاقة بين البلدين
مما لاشك فيه أن علاقة الموريتانيين بالمملكة العربية السعودية ممتدة عبر التاريخ والأرض والقيم التي طالما تغنوا بها في أشعارهم ومآثرهم، إذ تجدد الذكرى حبل الود وتعيد خطوات ركب الحاج، وتعيد الحرمين والمأزمين، ونجدا ووادي العقيق وتلك المشاعر والعرصات الخالدة في الذاكرة الشنقيطية إلى الأذهان غضة طرية.
ولا يمكن فصل الزيارة التي سيقوم بها ولي العهد عن تاريخ العون والاهتمام السعودي بموريتانيا والتقدير السعودي للشناقطة عموما، وهو تقدير ما كان ليقابل إلا بما هو أهل له من المودة والاحتفاء والاحتفال.
وشواهد التاريخ في ذلك قديمة، فمنذ انطلاق الدولة السعودية والشناقطة ينالون من الإكبار والتقديم في المراتب العلمية والقضائية والسياسية في المملكة العربية المكان الأسمى والمنزلة الكبيرة، وفخر شنقيط الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار المعروف بآب ولد اخطور أبرز وأنبل مثال على ذلك، وله في ذلك رفاق وأخوة كثر ممن تسنموا هام المناصب والمعالم السامية في الدولة السعودية.
ولم يغب الموقف السعودي ولم يتأخر منذ استقلال موريتانيا، حيث كان للدعم السعودي دور مهم وفعال في مسيرة التشييد والبناء التي قادتها الجمهورية الإسلامية الموريتانية وهي تؤسس معالم دولة بين المحيط الأطلسي ومحيط الرمال.
وطبعا لن ينسى الموريتانيون زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إلى موريتانيا والتي نالت من الاحتفاء والتقدير من موريتانيا سلطة وشعبا ما هي أهل له، وحسبكم أن إمام موريتانيا الكبير الشيخ بداه ولد البوصيري تلقاها باحتفاء شعري جليل عبر قصيدة طنانة ألقاها بين يدي المرحومين المختار بن داداه وفيصل بن عبد العزيز.
أبرز مجالات الدعم السعودي لموريتانيا
منذ عقود خلت تواصل الدعم السعودي في كل المجالات الاقتصادية والتعليمية والعسكرية، وتطور بشكل أعمق في عهد الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز ، وقد وصل هذا الدعم وفق الأرقام الرسمية حوالي 111 مليار أوقية قدمها الصندوق السعودي للتنمية إلى موريتانيا ومن ذلك مساهماته في تمويل الجزء الرابط بين كيفة والنعمة بأكثر من 250 مليون ريال سعودي والإسهام بحوالي 75 مليون ريال سعودي في إكمال وإنجاز الطريق الرابط بين أطار وتجكجة، هذا بالزيادة على الدعم السعودي في مجال التعدين وتزويد العاصمة نواكشوط بالمياه الصالحة للشرب بتمويل فاق 169 مليون ريال سعودي
وفي الزراعة كان للسعودية يد بيضاء غير خافية تمثلت في دعم متعدد للسلة الزراعية في موريتانيا بمبالغ وميزانيات عديدة تجاوزت 85 مليون ريال سعودي، هذا إضافة إلى حوالي 14 مليار أوقية دعمت بها السعودية القوة العسكرية لموريتانيا ومكنت الجيش الوطني من أن يكون واحدا من أبرز وأقوى جيوش المنطقة.
وليست هذه الأرقام إلا شواهد وأمثلة في سياق الدعم والعون السعودي والاحتفاء السعودي بموريتانيا دعما لاقتصادها ووحدتها، والرفع من شأن أبنائها.
ولموريتانيا في المملكة العربية السعودية جالية كبيرة جدا وطلاب كثر ولا تزال الجامعات ومؤسسات التكوين والتوظيف في المملكة تستقبل الكفاءات والكوادر الموريتانية وتقيم جسورا من الإخاء والتقارب بين شنقيط وبلاد الحرمين.
بواعث الترحيب بالضيف الزائر
إن ترحيبنا بهذه الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي يتأسس على أبعاد متعددة من بينها:
- الوفاء للملكة العربية في دورها العظيم في نشر الإسلام الوسطي ومد ظلال الأخوة الإسلامية وخدمة العمل الإسلامي في كل أنحاء المعمورة، فلم تزل راية المملكة ممهورة بكلمة التوحيد تذلل العقبات أمام المسلمين وأينما ذكر اسم الإسلام في بلد وجدت الخدمة والدعم السعودي منساقة إليه متدفقة وتلك منة جديرة بالشكر الجزيل وشواهدها ماثلة في المساجد العامرة والمعاهد الشامخة والبنى التحتية والدعاة والأئمة والعلماء الذين نهلوا من نبع الخير في المملكة وانطلقوا في العالم ينشرون الإسلام الوسطي.
- الوفاء ورد الجميل لدور المملكة العربية السعودية في عون بلادنا وهو عون مستمر ومتواصل، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
- حق الاحتفاء وإكرام الضيف : الذي عرف به الشناقطة وهو خلق موريتاني أصيل زيادة على كونه ركنا من أركان القيم الإسلامية الرفيعة وضيفنا ليس أي ضيف فهو ولي عهد المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين مهبط الوحي وبلاد التوحيد وأرض السنة المطهرة.
- الوقوف مع المملكة العربية السعودية في مواجهة المؤامرة التي تستهدف وحدتها وكيانها وهويتها وسياستها ودورها الإسلامي والإنساني.
ولا شك أن المملكة تشهد في هذه الآونة هجمة شرسة من طرف بعض البسطاء الذين لا يدركون ما يحاك للأمة من خطط تدميرية من طرف أعدائها الذين يتربصون بها الدوائر، ويقعدون لها كل مقعد.
وهنا يجدر الذكر أن من يرفض تدخل البلدان الأخرى في شؤونه الداخلية من الإنصاف والموضوعية تجنب التدخل والخوض في قضايا المملكة الداخلية.
إن الذي يدرك حجم المملكة العربية السعودية ويقدرها حق قدرها، ويطلع بمستوى من الموضوعية على تاريخها، وعلى ما قدمته للعالم الإسلامي والأمة العربية من مساعدات ومواقف، وما وهبتهم من جاهها ووجاهتها وخيراتها سيعلم علم اليقين أنها كانت وستظل رائدة العالم الإسلامي وقائدته، رغم كيد الكائدين، وتربص المتربصين، وتلوكه الألسن والأفئدة المريضة.
وبغض النظر عن العقد النفسية المتراكمة لدى بعض النخب التي تجعلهم لا يرضون لقيادة العرب والمسلمين إلا أن تكون من خارج سربهم، وأن يكونوا تبعا وأذنبا لمن يتربص بهم الدوائر وينفذ بهم أجندته، ومآربه الخاصة.
وهي مفارقة عجيبة غريبة، ففي حين تحتفي كل الشعوب بقادتها وتقدرهم وتحترمهم نرى من بين ظهرانينا من يحمل معول هدم لتاريخ أمتنا المجيدة، وتسول له نفسه أن يضر بسمعة الممانعين الذين حباهم الله قبولا وقدرة على القيادة والريادة.
لقد ثارت ثائرة الحاقدين حينما رأوا الأمير الشاب ينوي تنظيم زيارة يصل من خلالها أواصر قرابته وأخواله الموريتانيين فطفقوا ينفذون الحقد ويوزعون الضغائن، ويلوكون الكلم ويحرفونه عن مواضعه، وهم لا يدركون أنه ثاني قائد سعودي يزور موريتانيا بعد زيارة الملك فيصل التاريخية، وأن نفع هذه الزيارة لموريتانيا سيكون كثيرا جدا وعلى مختلف الصعد وستزيد وتيرة التعاون بين موريتانيا المقدمة على دخول نادي الدول المصدرة للطاقة في ظرف عامين بعد اكتشاف الغاز في الجنوب الموريتاني، والمملكة العربية السعودية التي تعتبر عاصمة الطاقة في العالم، كما ستضيف أبعادا جديدة من التنسيق والتقوية إلى العلاقات العربية البينية.
ومهما قيل حول زيارة ولي العهد السعودي لموريتانيا فإن الجميع ينبغي أن يدرك خطر الهجمة التي تشن ضد المملكة العربية السعودية من طرف بعض غرمائها ومنافسيها، وتحطيم سمعتها كقلعة أخيرة للعرب والمسلمين.
لذا ينبغي أن يحتفي الموريتانيون كعادتهم بضيفهم الكريم، ويبالغوا في تبجيله؛ تماما كما احتفلوا بقادة آخرين وزعماء من العرب والعجم مروا بهذه البلاد ضيوفا وزائرين.
إن كل تلك العوامل والقيم السابقة تدعونا إلى أن نتناسى خلافاتنا السياسية البينية الضيقة وأن نردد جميعا بالصوت الواضح مرحبا بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أرض شنقيط حيث تتعانق منارة شنقيط مع منارات الحرم، ويتكامل عقد من الأخوة الإسلامية والعمل العربي المشترك.