كيف قتلنا ولد برو؟ / عثمان جدو

أحد, 17/02/2019 - 09:35

قبل أن تكون الجريمة حالة قانونية يتحدد بموجبها المخالف لأحكام قانون العقوبات؛ فإنها ظاهرة خلقية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية.

لقد شكل التحول الحضري الذي يعيشه المجتمع الموريتاني البدوي بطبعه ووفادته ومنبعه؛ عاملا أساسيا في بلورة واقعنا الحالي الذي طبعته وتطبعه تحديات كبيرة، متعددة وخطيرة.

يعيش شبابنا اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ تحت رحمة الجريمة!؛ غصبا عنا وعنه، وبفعل تنامي وانتشار عوامل وأدوات الجريمة في مشهد مشهود، ظل الكل يتفرج عليه طيلة السنوات الماضية؛ وصلنا إلى ما نحن عليه،  فصار الحديث عن تعاطي هذا او تلك للحشيش أو المخدرات؛ حديث معاد، مستغربه غريب، تعجبه مضحك، وتحسره ينذر بتخلفه.

إن تفشي ظاهرة المخدرات والحبوب المؤثرة بين الشباب والتي تجاوزت حد المعقول؛ في تستر تام من بعض الأهالي بل بالمباركة والاستجلاب أحيانا!!؛ ينذر بأن القادم - إن لم تحدث صحوة- أسوأ.

إن من يتصفح الوسائط الألكترونية، ويركز على النوافذ الوطنية؛ يدرك بجلاء أن مجتمع شنقيط المحافظ أنقلب له المجن، وبدأ سفهاؤه بنشر غسيلهم الذي سيؤثر تأثرا واقتداء في من يعانق تشبعه ميولهم، فيحاكيهم زحاما وإعجابا.

من المعروف أن جرائم القتل في العالم تفوق في فتكها قتلى الحروب رغم قوة تدميرها، ومعروف أن الخاسر الأكبر فيها هم الأهالي، آباء وأمهات، صبية وأخوات، ثم المجتمعات التي تحرم من إيجابيات وإسهامات تمتع بها عشرات بل مئات الآلاف من الطيبين المفيدين الذين تنتهي طيبتهم وتدفن إيجابياتهم سريعا بفعل الجريمة، تلك الهواية التي يمارسها الحمقى وعديمي الإيجابية والإفادة..

من الخطأ ان نتسرع في تحديد متجه الجريمة التي راح ضحيتها الشاب الإيجابي البريئ ولد برو -رحمه الله- فنربطها بفلان أو علان دون بينة وسابق تتبع ولاحق تثبت، ومن الخطأ أيضا أن نلبسها بسرعة ثوب الشرائحية، فمتى كان المجرم يتحرك تبعا للونه او باستشارة ضميره وعقله؟.

لقد ساهمنا جميعا في قتل ولد برو يوم اجتمعنا على قتل خدي توري واتبعناها بزينب؛ فاغتصبنا فيهما البراءة والطفولة، ورمينا الأولى في قاع البحر وألقينا بالأخرى في لهيب الحر.. قتلناهم جميعا عندما صار المجرم يشتاق إلى العودة للسجن؛ لما يلبي له من حاجة، إذ يجد ضالته من الحشيش والمخدرات عندما يتعذر عليه إيجادها خارجه!، في السجن يكثر اللواط وبه تنتشر الأمراض الفتاكة؛ كنقص المناعة المكتسبة (السيدا) ويخرج حامله وطبعا سيوزعه، لأنه ببساطة سيعيش حياة اجتماعية تترتب عنها اخرى جنسية، كثيرا ما ينظر إليها أنها عادية!!، في السجن يبتز صغار المجرمين فيصبحون مسرحا للتجارب وفيه يتعلمون من عتاة المجرمين، وفيه يستخدم الوافدون وإن ظلما او خطا، يستخدمون لجلب الأموال تحت الضغط والتهديد لتوفير سيولة الإجرام وروافد تمويله إلى جانب السرقة والسلب والاختطاف خارجه!.

قبل ان نجلس مع انفسنا ونحدد بعمق أي السياسات تساعد على وقف القتل وايها تغذيه ثم نتحسس جاهزية أجهزتنا الأمنية وفاعليتها، وقدرة منظومتنا القضائية على تطببق مقتضيات مساطرها القانونية وكيف تكون ذات ردع وفاعلية في وجه أخطبوط الجريمة؛

قبل حصول ذلك علينا ان نتوقع حصول جرائم مماثلة لهذه الجريمة التي راح ضحيتها هذا الشاب وتحسر عليه أهله وتأسف عارفوه وذعر من بعدهم كل فرد في مجتمعه، علينا أن نتوقع ذلك بشكل أكبر وباسلوب أخطر إن لم نتدارك الأمر ردعا وتأهيلا وإنصافا واحترازا.