الزهرة أنفو : مثلت القمة السادسة لمجموعة دول الساحل الخمس (G5) في نواكشوط نهاية فبراير 2020 إشارة انطلاق دورة جديدة من أعمال المجموعة؛ التي تضم دول موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر واتشاد، وكانت القمة محطة لاستعادة موريتانيا زمام قيادة المجموعة، التي عقد قادتها دورة قمتهم التأسيسية في نواكشوط فبراير 2014.
ويستدعي هذا الاستئناف لأعمال المجموعة وقفة تساؤل لتسليط الضوء على نتائج القمة والآفاق التي تمضي المجموعة نحوها بعد تجربة الدورة المنصرمة، إذ تبادلت مختلف الدول الأعضاء قيادة المجموعة وإدارة شؤونها، وهو أفق يعطي دفعا جديدا لخطط المجموعة خلال الدورة القادمة.
أفق دولي لاستحقاق إقليمي
نتيجة للتهديدات والهجمات المتصاعدة في دول المجموعة تضمن البيان الختامي لقمة نواكشوط السادسة تجديد رؤساء المجموعة دعوتهم مجلس الأمن الدولي للنظر في إمكانية المصادقة على قرار يقضي بوضع القوة العسكرية المشتركة بين دول المجموعة ضمن مظلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك أملا في استفادة هذه القوة من تمويل مستمر، كما أعرب زعماء المجموعة عن ارتياحهم لتوقيع اتفاق مع لجنة الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة لتقديم الدعم اللوجستي للقوة المشتركة.
وسجل القادة ارتياحهم لتنفيذ التزام الاتحاد الأوروبي من خلال وضع إطار للأنشطة ذات الأولوية لتحديد التدخل ذي التأثير السريع.
وغير بعيد من حدود دول المجموعة تمثل الأزمة الليبية تحديا لمجموعة الخمس في الساحل، حيث أعرب القادة عن انشغالهم بالوضع في ليبيا، وعبروا في هذا الصدد عن تشجيعهم ومساندتهم للجهود الدولية لاستتباب الأمن والاستقرار في هذا البلد الذي تغذي الأزمة داخله الروافد القديمة المرتبطة بتحدي تهريب الأسلحة وتوفير ملاذ آمن للتدريب وإقامة معسكرات ظلت تدفع دول المجموعة ضريبتها عبر هجمات بلغت ذروتها أسابيع قليلة قبيل التئام قمة نواكشوط.
واعترافا من دول المجموعة بأهمية التكتلات الموازية أعرب الرؤساء عن امتنانهم للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على الجهود التي بذلتها لمواكبة مجموعة الخمس في الساحل في إطار محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث ستبقى مجموعة دول الساحل الخمس بحاجة إلى مد يد التعاون مع تجمعات مغايرة، خصوصا المنحى الاقتصادي؛ باعتباره اهتماما يلعب أدوارا محورية في تكميل مساعي المجموعة الهادفة إلى توفير الأمن وبسط الرخاء التنموي في مختلف المناطق المحلية داخل الدول الأعضاء.
وتهدف دول المجموعة من خلال التوجه أعلاه إلى المضي قدما في إيجاد تحالف دولي أوسع لمحاربة الإرهاب في الساحل وسط ترحيب إقليمي وتبنٍ لأهداف التحركات الميدانية والحملات العسكرية تقليما لأظافر التهريب والجريمة المنظمة وتحصينا للحدود.
التمثيل الدبلوماسي والأعين الجبائية
مثل الحضور الدبلوماسي لقمة نواكشوط منحى هاما من مناحي الإجراءات الجبائية التي تسعى مجموعة دول الساحل الخمس لإرسائها خلال الفترة المقبلة، إذ كان تنوع الحضور يحمل رسالة استعداد أولي قررت قمة نواكشوط أن يتم استغلاله لاحقا عبر تنظيم بعثات مناصرة لدى المؤسسات الدولية.
وكان هذا التمثيل ذا أبعاد متعددة؛ فعلى المستوى الأوروبي اختارت كل من فرنسا وإسبانيا الدفع بوزيري خارجيتهما، فيما دفعت إيطاليا بنائب وزير الخارجية، وعلى المستوى العربي دفعت الإمارات بوزير الدولة، أما على مستوى المنظمات الإقليمية فقد حضر مفوض الاتحاد الإفريقي ومفوضة الاتحاد الأوروبي للشراكة الدولية، وعلى المستوى الدولي دفعت الأمم المتحدة بأمينها العام المساعد، فيما أوفد البنك الدولي مديره التنفيذي، وحضر أعمال القمة أيضا سفير مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا، وكان هناك حضور لأطراف دولية أخرى لكل منها أجندته في منطقة تعرف تنافس مختلف القوى خصوصا بعد دخول الدول الآسيوية على الخط ومحاولتها إيجاد موطئ قدم مع الأطراف الغربية التقليدية.
وقد أكد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة أن منطقة الساحل إحدى أولويات جمعية التنمية الدولية (IDA) وهي صندوق البنك الدولي الهادف إلى دعم البلدان الفقيرة، موضحا أن الصندوق قام خلال السنوات الثلاث الماضية بزيادة الدعم بنسبة 50 في المائة، وهو توجه أكد المسؤول الأممي أنه سيتعزز في السنوات الثلاث المقبلة بأكثر من 7 مليارات دولار تم رصدها لدعم منطقة الساحل.
وكانت القمة موعدا لتنظيم اجتماع جديد لتحالف الساحل الذي تأسس في يوليو 2017 بمبادرة من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وانضم إليهم البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما أعلنت إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة ولوكسمبورغ والدنمارك وهولندا الانضمام إلى التحالف.
وسيدعى أعضاء هذا التحالف شهر مارس المقبل إلى اجتماع في ابروكسل من أجل تفقد مستوى وفاء الممولين بالتزامات سابقة مع محاولة الحصول على تعهدات جديدة، وذلك لتوفير غطاء مالي يسمح بتنفيذ خريطة الطريق التي أقرها قادة مجموعة الدول الخمس.
وتهدف مجموعة دول الساحل من خلال هذا التحالف إلى تعبئة دولية رفيعة المستوى حول الالتزامات المشتركة فيما يتعلق بالتنمية في منطقة الساحل، وقد بلغ عدد المشاريع التي يدعمها التحالف 730 مشروعا بقيمة إجمالية تبلغ 11 مليار أورو.
تنمية الساحل والأبعاد الاستثمارية
قررت قمة نواكشوط الدخول في أفق جديد لمجموعة دول الساحل الخمس يتخذ من الجانب التنموي والمشاريع الاستثمارية عصا يعمل من خلالها على تحقيق الأمن والرفاه لساكنة دول المجموعة، وفي هذا الإطار تم التعهد بإشراك هيئات أرباب العمل بمنطقة الساحل في تنفيذ السياسات التنموية والبرامج التي سيتم إطلاقها بالمنطقة، كما تم أيضا توقيع اتفاقية تعاون بين غرف التجارة والصناعة في دول الساحل من أجل دعم هذا التوجه.
وستتم ترجمة هذه المساعي باعتماد برنامج الاستثمارات ذات الأولوية في مجموعة دول الساحل الخمس، حيث يتضمن هذا البرنامج ما مجموعه 40 مشروعا أدرجت ضمن محفظة مشاريع يتنفذ على عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى تقرر البدء بمشاريع البنية التحتية من خلال 27 مشروعا بكلفة إجمالية تصل 1223,69 مليون أورو.
وتتوزع هذه المشاريع بين العديد من المجالات يتقدمها مجال الطرق؛ حيث سيتم في هذا المجال القيام بتنفيذ 9 مشاريع بتمويل يبلغ 528 مليون أورو، كما تقرر تنفيذ 15 مشروعا أخرى تنقسم بواقع 5 مشاريع بين مجالات الطاقة والاتصالات والمياه، فيما وجهت الـ3 مشاريع المتبقية لبعض أنواع المواصلات بواقع مشروعين اثنين للمطارات وخدماتها ومشروع واحد للسكة الحديدية.
إكراهات التنفيذ والتحديات المتجددة
تسعى دول الساحل لتسطير نموذج تنموي يتعالى على الإكراهات في ظل الإلحاح الفرنسي على تنفيذ المشاريع والدخول في المرحلة العملية وتخطي مرحلة تعبئة الأموال، بينما ترى دول الساحل أن الاستراتيجية الفرنسية تمثل عقبة إضافية نظرا لاعتمادها على صرف التعهدات من خلال تقديم مساعدات ملموسة لصالح الدول بشكل منفصل بعيدا عن الانخراط في تمويل مباشر للمشاريع التي تم إدراجها في خطط الأجهزة التنفيذية لمجموعة دول الساحل الخمس.
ويبقى توفير التمويل بشكل مستدام أحد التحديات أمام دول المجموعة، فرغم أن تحالف الساحل تمكن من تعبئة 12 مليار دولار أمريكي لصالح التنمية في المنطقة، إلا أن ما صرف منها لا يتعدى 5 مليار دولار أمريكي، ويضاف إلى ذلك الطموح الفردي لهذه الدول في تحقيق استفادة ملموسة من هذه المشاريع، كما أن امتداد دول الساحل الخمس على مساحة متشعبة تزيد على حاجز خمسة ملايين كلم مربع يمثل تحديا آخر أمام تنفيذ مشاريع تستهدف ساكنة تقدر بما يبلغ 80 مليون نسمة.
ويؤثر الصراع في أبعاده الأمنية أيضا على الميزانيات الحكومية لمختلف الدول الأعضاء المرصودة لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، حيث اضطرت حكومات الساحل إلى زيادة الإنفاق على القطاع الأمني والعسكري بشكل كبير وبمتوسط يقدر بحوالي 22 في المائة من الميزانيات العامة خلال عام 2018 وذلك على حساب توفير الخدمات العامة.
وبعد قمة نواكشوط سيأتي الدور على بقية عواصم الدول الخمس خلال السنوات المقبلة، وذلك لتنظيم محطات تقييم إن لم يضطر قادة المجموعة إلى عقد قمم طارئة لتدارس الأوضاع وبحث سبل مواجهة العقبات التي لا شك أنها ستعترض بشكل متجدد تنفيذ خارطة الطريق التي أقرتها قمة نواكشوط.
مركز الصحراء