الصحة والتعليم مرتبطان ارتباطا جذريا لمحورية دورهم في التنمية،وعادة ينعكس ذلك على علاقات الأطباء والأساتذة، فى فترة سابقة حيث كنت أستاذة ثانوية حينها، قبل مغادرتي لمتابعة دراسات عليا،كان برنامجي مشحونا،وأصبت بحساسية في اليدين بسبب الطباشير،وتعذر علي زيارة طبيب في المستشفى الوطني بسبب مداومة كل منا في الفترة الصباحية،اضطررت لأخذ إذن ساعتين،وذهبت لقسم الجلود في المستشفى الوطني،ثم اتجهت لرئيس القسم في مكتبه، قدمت نفسي كموظفة وشرحت له أسباب قدومي بدون موعد، طلبت منه معاينة التى لا تكلفه سوى وصفة،ما كدت أنهى كلامي حتى تشنج ورفض مقابلتي بسوء أدب،ثم فز واقفا ليسوقني حتى باب القسم،ولم يكتف بذلك بل لام الحارس على دخولي!
ضمرت ذلك وعزمت فى نفسي إن جاء يوما فى مهمة تعني عملي لأرد له الصاعة صاعين،لم يطل ذلك كثيرا،فى نفس السنة وبينما كنت أراقب الباكلوريا،وقعت عيني في سجل لائحة القسم الذي أراقبه على إبنته فلانة بنت فلان ابن فلان! ، مررت بجانبها مرارا فلاحظت حسن عملها،يبدو أنها تلميذة جيدة وكانت المادة مادتها الأساسية الرياضيات،(شعبة رياضيات),
إلى هنا الأمور طبيعية، أراد الله بإرادته أن تسلم ورقتها وتنصرف قبل التوقيع،لقد وقعت في فخ الأقدار!
لاحظت ذلك بعد انصراف التلاميذ وأثناء عد الأوراق ومقارنتها بلائحة الحاضرين، وبقي استدعاؤها بيدي!
وعند الثالثة إلا 10دقائق فإذا بوالدها الطبيب (اعماية وريح)، مرتبكا، وكان الوقت ضيقا الكل يستعد لدخول الأقسام،لم يجد من يعيره اهتماما فى ذلك الوقت الضيق،فبدأ يطرح مشكلته:ابنتي تلميذة جيدة،وكان عملها اليوم جيدا ولكنها نسيت أن توقع في السجل!
كنت واقفة في ركن أراقب ارتباكه،وكنت أيضا متمكنة من ضرر ابنته، فهي لم توقع وأنا مصدقة كأستاذة!
ولكن يأبى الضمير عن ذلك وتنفر منه التربية!
تقدمت إليه خطوات وقلت له لا تقلق أنا هي الأستاذة التي راقبت عليها، واستدعاؤها ها هو عندي ثم أخذت سجل القسم وطلبت منه أن يناديها للتوقيع!
فشكرني كثيرا وهو بالطبع لا يتذكر مجيئي له!مرت سنوات قليلة على الحادثة،وذات يوم اضطررت لزيارة نفس القسم وعزمت أن أتحاشاه هذه المرة،ولكن شاءت الأقدار أنه الوحيد الموجود في ذلك اليوم!
كان في مكان مخصص للجروح وأمامه أشخاص ينتظرونه،ولما خرج بدأ بعضهم يقدم نفسه كأقارب،مر بخفة على الجميع ولم يعرهم اهتماما وتمتم بعبارات اعتذار، تبعته بهدوء إلى مكتبه وأنتظر طبعا نفس المعاملة في زيارتي السابقة،ما كدت أقطع خطوتين حتى ألتفت علي بغضب , وسألني ما ذا تريدين؟,قلت له لدي حاجة،استشاط غضبا،ليس لدي الوقت لذلك،وتابع سيره،تقفيت أثره،توقف ثانية،وسألني بتعجب، (لمر أنت شدور؟),قلت له لدي ما أقوله لك،فقال هذه المرة تفضلي،قلت له يمكن أن لا تستجيب لحاجة أو طلب ولكن بأدب،العاقل من يتجنب غرس العداوة فى نفوس الناس،فقليل العداوة يضر، وحكيت عليه زيارتي الأولى،وكيف أضمرت أن أرد له الصاعة صاعين وكيف مكنني الله بسرعة من ذلك, وذكرته بمجيئه للثانوية،ولكني امتثلت قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى، ومن طبعي أن لا أظلم،انقلب بزاوية 180درجة من تشنج إلى تودد وضحك ثم اعتذار،وبدأ يسرد سيرة ابنته و يفتخر بها،وكيف نجحت متفوقة فى تلك السنة،وأخذت منحة دراسية للمغرب وأنها هذه السنة أخذت ماستر فى الرياضيات التطبيقية،وستسجل فى سلك الدكتوراه فى فرنسا،ثم طلب مني العودة صباحا، ونادى الحارس وقال له إذا أتتك هذه السيدة غدا صباحا،ادخلها علي بسرعة، ثم جدد الاعتذار فقبلته, ولكنني لم أعد للاستشارة حتى يومنا هذا،
نعم لتحقيق مطالب أطبائنا!