هل يمكن أن أتعلم من إرهابي فجر نفسه أي شيء؟! سؤال طرحته امرأة أسترالية كانت ضحية لتفجيرات لندن في محاظرة ألقتها على منصة TED، تقول المرأة: نعم تعلمت الكثير، كانت قبل الحدث بدقائق لا تنظر في عين أحد حتى لا يكون هناك اي تواصل معه بل أنها لم تلحظ الإرهابي نفسه من حولها و لكن الإرهابي بالتأكيد لاحظ الكل و نظر إليهم و تتسائل المرأة عما كان يدور في ذهنه قبل أن يضغط على زر القنبلة ليفجر مجموعة من الناس لا يعرفهم و لم يرهم من قبل !! بعد الإنفجار هب الجميع لإنقاذ المصابين و كانت هناك سيدة تتفحصها كل حين و هي لا تعرفها إلى أن وصلت فرق الإنقاذ.
"امرأة واحدة مجهولة" هذه الكلمات هي ما وصفت به عندما أدخلت إلى غرفة الطوارئ، فقط هذه الكلمات لم يهمهم هويتها و لا أصلها و لا عرقها و لا دينها و لا أي شيء اخر. كل ما كانوا يريدونه هو إنقاذها من الموت، هذا الموقف جعلها تفكر في معنى الإنسانية حقاً، في أن تتعامل مع الاخر بلا أحكام مسبقة و بلا تصنيفات عرقية، هذا الدرس لم تكن لتتعلمه لولا هذا الإنفجار و لكن ثمن الدرس كان غالياً لأنها فقدت رجليها و تم وضع أطراف صناعية لها.
الإنسانية هي أصل مهنة الطب فليتق الله في العباد كل من له صلة بها فكم من مريض لدينا تدهورت حالته أو مات و هو ينتظر سريراً في مستشفى و المسؤول يتحجج بعدم توفر أسِرَّة و هو لو جائته واسطة لانشقت الأرض عن أحدها!! أعتقد أن الإنسانية شيء يولد معنا لا نتعلمه و لا نتصنعه و لكن للأسف هناك من لا يمتلكها، قد يقول أحدهم أن هناك من تنقص عنده الإنسانية و يقسى قلبه لكثرة ما رأى من المآسي و لكن هذا غير صحيح فقد رأينا من البعض قمة الإنسانية مع قدم خدمتهم في مجال الصحة، أعتقد أنها تنقص عند من دخلوا هذا المجال من أجل الراتب فقط لأن ما يولد معنا يبقى فينا و يموت معنا. أذكر أن أحد طلابي منذ المرحلة المتوسطة و هو يخبرني أنه سيصبح ممرضاً لأنه يحب مساعدة الآخرين و حين رفضته كلية العلوم الطبية لمعدله ذهب و درس على حسابه مع أنه قُبل في كليات أخرى و حين سألته عن ذلك بعد خمس سنوات أعاد لي نفس السبب و عندئذ عرفت مقدار إنسانيته و صدق مبادئه فهنيئاً لنا بمثل هؤلاء الشباب.
ما تراه أيها المسؤول عن أرواح الناس أمراً هيناً قد يفطر قلب شخص اخر و قد يقلب حياته رأساً على عقب و أوضح مثال على ذلك الرجل الذي رأى أغلبنا مقطعه و هو يشرح كيف أصابه البهاق من الضغط النفسي اليومي الذي يعيشه و هو يحاول معالجة ابنه و لم يجد مسؤولاً مهتماً و لا فاعل خير كريم. نحن لا نريد من المسؤولين و ممن يعملون في مجال الصحة أن يكونوا في قمة الإنسانية فهذا ليس بأيديهم و لكن نريد أن يحبوا لنا ما يحبوه لأنفسهم و حينها فقط ستتغير الكثير من الأمور، لا؟!!
صدى تبوك