على أيام 2007 اتيحت لي فرصة نادرة في الحصول على ترخيص لدخول سجون العاصمة نواكشوط كصحفي.
بعد الحاح.. ابلغتني ادارة السجون والمؤسسات العقابية، حينها انه لم يتم منح صحفي ترخيصا لدخول السجون قبل ذلك، لكنهم مقبلين على إصلاحات ولا بأس في الاستماع لرؤية صحفي عاين السجون وكتب عنها.
دخلتها جميعا باستثناء سجن القصر، كان الأمر حينها يتعلق بمشاكل التصوير وترخيص من طرف الأهالي لمقابلة القصر.
بعد سلسلة تقارير منسقة حصل التالي:
1 - تم اطلاق سراح سبع سجينات تم سجنهن احتياطيا، ولم يخضعن للمحاكمة، تم نسيانهن هناك خلف القضبان.
2 - بدأت سلسلة اصلاحات في السجن المركزي حتى صار على ماهو عليه اليوم.
رغم الكثير من الملاحظات فان ما صار عليه السجن المركزي اليوم، يعتبر معجزة.
يوم وقفت عليه كان يعيش حالة كارثية، حيث ينتشر العنف والفوضى.
اذكر انني التقيت بمعلم السجن عند البوابة الأمنية جالسا مع الحرس، ويلقي على المساجين درسا في مكبر صوت، فسألته لما لا يدخل، فقال لي:
- لا يوجد فصل دراسي، وقد دخلت ذات مرة للحديث مع السجناء، وافقت في المستشفى، فقد ضربوني حتى أغمي علي.
وقد دخلت السجن محاطا بحرسيين يحمل كل منهما بندقية، ومعنا مدرب للرياضة متخصص في الفنون القتالية للدفاع عن النفس يشرف على تدريب بعض السجناء، وبهذه الطريقة استطعت دخول السجن الذي كان عبارة عن ميدان عام يعيش به قرابة 600 رجل بينهم قتلة ومغتصبون ولصوص ومحكومون بالاعدام بسبب ارتكاب عدة جرائم قتل ولا حواجز بين السجناء ينامون ويأكلون ويتعاركون بدون رحمة.
كان الوضع رهيبا، خصوصا مع مشاهدة هذا الكم من البشر دون زنازين، وقد بنى بعضهم أعرشة وفتح بعضهم دكانا.
ورغم اصراري على معاينة كل المقاطع في ساحة السجن، فقد تم منعي من الدخول الى المقطع الأخير في الزاوية اليمني القصية من السجن، سألت عن السبب، قيل لي:
- هنالك مجرمون خطرون وقد نتعرض لهجوم، واذا توغلنا فانه يمكن ان يحدث ما لا تحمد عقباه.
المقطع الذي تم منعي من زيارته، كان مسرحا لعملية هروب بعد مغادرتي بـ 12 ساعة فقط حيث فر 25 سجينا.
لو دخلت المقطع وقتها للاحظت ما يقومون به فعلا، لانه لا يمكن إخفاء آثار الحفر لنفق إمتد لأربعة امتار وعبر منه 25 رجلا.
اثارت كتابتي للملاحظة وما اعقبها من عملية الفرار انتباه السلطات الى ما يمكن ان يكون تسهيلات حصل عليها السجناء من حرس السجن.
سجن النساء كان الأرحم بين سجون نواكشوط، كانت به 25 سجينة، وكان لديهن غرف مؤثثة وصالون نظيف به جهاز تلفزيون، يتابعن فيه المسلسلات والأخبار والموسيقى، وكان لديهن مطبخ ويسمح لهن باعداد الوجبات التي يردنها، وبالاجتماع لشرب الشاي في اغلب اوقات اليوم.
كان اقرب لدار كبيرة بها 25 امرأة، يتبادلن الاحاديث طوال اليوم.
كتبت حينها عن سجينة وصفتها ادارة السجن بـ "حسنة السلوك" وتمت ملاحظة انها تصنع شايا جيدا وتوزعه على الجميع، بما في ذلك الحرس، وتم اطلاق سراحها فعلا قبل انتهاء فترة سجنها التي حكمت بها.
اليوم اصبح سحن النساء هو الأسوأ، بعد التقارير التي تتحدث عن مضايقات تتعرض لها السجينات اللواتي دخلن في اضراب وسط مطالبات بالتحقيق في ما يحدث في تلك القلعة الصامتة.
ـــــــــــــــــــــ
هذه دعوة لفتح السجون ثانية أمام الصحافة، التقارير الصحفية الجيدة قد تدفع لتحسين أوضاع السجون، ورفع سلطة السجان عن السجين، ووضع بروتوكول لمنع الاهانة والتعذيب، وقد تكون سببا في اطلاق سراح بعض الرجال والنساء الذين عانوا الظلم وراء الزنانزين، ففي السجن كثيرون تم نسيانهم بسبب ان صوتهم لم يصل.
تقدمي نت