تابعت في مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الآراء والمقالات دفاعا عن المحظرة، ومن حق الموريتانيين أن يدافعوا عن المحظرة، وهم البدو الرحل في بيداء مترامية
لم تعرف سلطة مركزية، ولا تقريا حضريا منذ تاريخها، وحتى نشأة الدولة الحديثة.
كان يمكن لهذا المجتمع المتتبع مساقط القطر ونقاط الماء والمرعى، أن يذوب في حضن التاريخ، وتبتلعه الرياح الهوج والرمال الزاحفة كغيره من المتخففين العابرين.
لكن شاء الله أن يعتنق أهله الإسلام، ويقبلوا على العلوم الشرعية واللغوية يعبون منها وينهلون، ويكون الشيخ النحيف الذي لوحت الشمس وجهه وغضنت جبينه، لا يقل شأنا عن أستاذ كرسي بالمفهوم الحديث، بل إنه أعلى منه شأنا وأوسع باعا، فهو يدرس علوم الشرع وعلوم الآلة والمتممات لمختلف الأعمار، ويقوم بتعليم وتخربج أجيال من حملة كتاب الله، والعارفين بالشرع، والمتخصصين في علوم اللغة، والمتضلعين من فنون الأدب شعرا ونثرا، والعارفين بالمنطق والأصول.
شيخ واحد يدرس العشرات إن لم نقل المئات ومن مختلف التخصصات، في عالم من الرحل يدمنون ظهور العيس.
المحاظر أو الجامعات البدوية المتنقلة كانت عنوانا وضاء وهوية مشرقة للشناقطة، أينما حلوا، وحيثما ارتحلوا، وبفضلها تميزوا وعرفوا في الحجاز والعراق ومصر وتونس والمغرب.
كانوا أساتذة الأساتذة ومن يشار إليهم بالبنان في أعرق المراكز الحضرية الإسلامية في المشرق والمغرب.
إن الدول قد تساوم على أموالها أو على مقدراتها الطبيعية، ولكنها لا يمكن أن تساوم على سيادتها اللغوية.
في آخر ملف ضخم ترجمته المنظمة العربية للترجمة التابعة للجامعة العربية، وهي هيئة أكاديمية محترمة تحدث أكثر من 15 باحثا أوروبيا وآمريكيا عن حرب اللغات، وعن السياسات اللغوية التي يجب اعتمادها لكسب المعركة.
وقد. كان أستاذنا القدير الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري سباقا إلى طرق هذا الموضوع، والتوعية بخطورته حين ألف كتابه (السياسة اللغوية).
نحن العرب حتى اليوم لم نستطع أن نضع الأساس لأكاديمية للغة العربية، وحتى المعاجم في مكتبتنا وضعها أفراد أغلبهم مسيحيون.
بينما الدول الغربية تضع المعجم ضمن المعارف السيادية، لا يمكن لأي شخص أن يضع معجما لغويا، هو قرار للدولة تقترحه وتشترك في وضعه وزارة الثقافة، ووزارة التعليم بمؤسساتها الجامعية المتخصصة.
(لاروس) لا يصدر عن أية جهة، ولا (أكسفورد)، ولا (ويبستر).
إنه قرار سيادي لا يمكن أن ينفذه سوى الدولة.
تتذكرون لا شك أسباب محاصرة آمريكا وإسرائيل لمنظمة اليونسكو، ومنعها المعونات المالية عنها، خاصة أن آمريكا تدفع أكثر من ثلثي ميزانيتها، مما أدى إلى انهيار هذه المنظمة اقتصاديا، وإغلاقها العديد من مكاتبها.
كان السبب المباشر هو أن رئيس المنظمة وقتها آمادو مختار امباو، أرسل تحذيرا إلى معجم (ويبستر) لكي يزيل تعريفه للعربي؛ لقد عرف هذا المعجم العربي بأنه “إنسان شهواني وغبي وقذر”.
واحتجت اليونسكو كسلطة ثقافية -لأنها هي وزارة الثقافة العالمية- على هذا التعريف الذي لم تجده لائقا.
هكذا أسقطوا آمادو مختار امباو، ورفضوا ترشحه لفترة ثانية لأن هذا التعريف للعربي يجب أن يبقى ثابتا في المعجم.
إن الدول المتحكمة لا تسمح بأي كلمة تدخل المعجم ويكون لها تفسير يناوئ الهوية.
من يدعو الموريتانيين للتنازل عن المحظرة ونبذها، فهو يريد لهم التخلي عن عمقهم الحضاري، وتاريخهم الثقافي، وهويتهم المميزة.