في مساء ذلك اليوم قدر لي أن أشهد احتفالا بهجياً بمناسبة إعلان إنشاء عملتنا الوطنية أقيم في أحد فنادق العاصمة.
كان فندق « الأحمدي » وقتها أكبر فنادق العاصمة وقتها، ووجود الفندق الذي بني بشراكة مع رجال أعمال مغاربة على شاطىء الأطلسي، حيث النسمات الباردة تمتزج أحياناً بأنفاس الصحراء اللاهبة، مثل وقتها استمراراً لنمو العاصمة العمراني وانفتاحها على البحر والزرقة، ولأن العاصمة أصبحت فجأة تمنح وجهها للبحر، مشرعة صدرها على زرقته الغاضبة، فقد ألفت العين تلك البناية التي اخترقت فضاءنا الهادىء بالتدريج، وبحذر شديد، وكأن عيوننا التي ألفت المدى المفتوح على الصحراء، تخوننا بطرق شتى، ومن حيث لا ندري، ومن دون هدف.
اعتبر الفندق أيضا مركزا للساسة ورجال الأعمال ومسكناً للوفود الأجنية الزائرة. وقتها، اقترح علي « محمد المختار » مع أصدقاء آخرين التسلل إلى الحفل الذي أحياه الفنان سيداتي.
لم يكن من الصعب تجاوز الحراسة الرسمية، فقد كان يقوم بها ثلاثة عناصر من الدرك المرهقين الذين بهرتهم مظاهر الترف الوافد، فقمنا بالتسلل إلى القاعة الكبرى حيث شاهدنا المسؤولين الكبار من وزراء ومدراء مع زوجاتهم، في لحظة مليئة بالاعتزاز بالنفس، وكأنها لحظة تقع خارج الزمن.
كان المطرب سيداتي واقفاً على منصة خشبية صغيرة وهو يمسكُ بآلة التدينيت ذات الأوتار الأربعة، غنى تلك الليلة كما لم يغن من قبل وهو يعزف على أوتار آلته المستطيلة.
أقبل الوزراء ببدلات السموكينغ السوداء والزرقاء والفراشات تطوق أعناقهم، ورقصوا في دوائر تنفتح وتنغلق، وتصحبهم خلال الرقص، وعلى إيقاع موسيقى بدت لي مألوفة، زوجة الرئيس الفرنسية « ماري تيريز ». كانت تسمكٌ في يدها كأساً مترعة بمشروب بني اللون، وكذلك فعل عدد من الوزراء، بينما وقف الرئيس يراقب المشهد العجيب من بعيد، مستمتعاً بكأس من الشاي الأخضر المغمور بالنعناع البلدي.
بدا لي الحفل بمثابة اكتشاف لما تغير في ثقافة نواكشوط وحكومتها الجديدة، هنا حيث يلبسون البدلات ذات اللون الأزرق البحري أو الأسود الليلي الغامق وكأنهم طيور تحلق في سماء باريس المتلألئة، بينما تندثر ألوان أحذيتهم السوداء المصقولة حالما يخوضون في أول شارع تغمره الرمال.
مقطع من رواية طيور النبع للروائي والكاتب الموريتاني، عبد الله ولد محمدي.
نقلا عن صحراء ميديا