عن دونالد ترامب، بوريس جونسون وبنيامين نتنياهو أتحدث.
الأول؛ مُلاحق بقضايا سوء استخدام الوظيفة، وخيانة الأمانة، والاستعانة بزعماء دول أجنبية في حملتيه الانتخابيتين: الأولى «روسيا – غيت»، والثانية: «أوكرانيا - غيت» ... فضائحه النسائية تزكم الأنوف، وسجله الشخصي والعملي، لا يدعو للفخر أبداً ... رئيس يجلس منذ انتخابه في «المنطقة الرمادية» بين «الاتهام ذي المصداقية» و»البراءة لعدم كفاية الأدلة» ... حالة نادرة في تاريخ الرئاسات الأميركية، تنهض شاهداً على أن الديمقراطية قد تأتي بنقيضها، وفي أقل تقدير، لا تأتي بالأفضل بالضرورة ودائماً.
الثاني؛ لا يوحي بالتوازن والاتزان، قبل شهور ضج الحي الذي يقطن فيه على صوت شجار بينه وبين صديقته، الجيران أبلغوا عمّا يمكن أن يكون «عنفاً ضد النساء» ... جاءت الشرطة وتبين عدم وجود قضية ... شجار صاخب لا أكثر ... لاحقاً، بدأ الرجل يتعرض لملاحقات تحقيقية وقضائية، هذه المرة أيضاً، كانت المرأة حاضرة، صديقة له حصلت على أموال دافعي الضرائب البريطانيين من غير وجه، لمجرد أنها مقربة من عمدة لندن في حينه ... القضاء سيفصل في الأمر، والقضاء البريطاني أثبت بالملموس أنه ليس كأي قضاء آخر.
الثالث؛ ملك إسرائيل، الرجل الذي زاحم ديفيد بن غوريون على لقب «أطول رئاسة للحكومة» ... مشهور بالمراوغة والخداع وعدم احترام التزامات ... في حكومته الأولى، اشتهر بـ»الكذاب»، فهو يكذب كما يتنفس، في هذا لا فرق بينه وبين ترامب.... لم يتردد يوماً في الاحتيال على حلفائه وخصومه ... مصالحه الشخصية فوق كل اعتبار، وهو مستعد أن يخوض حرباً إن كانت نتيجتها بقاؤه في السلطة ... مطارد بتهم جنائية عدة، منها استغلال السلطة، والفساد المالي والإداري، يدفع فواتير جموح «السيدة الأولى» للعيش الباذخ حتى وإن كان على حساب المال العام.
اثنان من الثلاثة، مهددان بالسجن، ترامب ونتنياهو، لا ندري ما هي عقوبة الاتهامات الموجهة لجونسون إن ثبتت إدانته ... والاثنان يبدو أن لا خيار لدى أي منهما سوى البقاء على مقعد الرئاسة أو الانتقال إلى زنزانة شديدة الحراسة.
الثلاثة تجمعهم صداقة عميقة، وقد تبادلوا الدعم في الانتخابات، وسجل كل واحد منهم، إشادات لا تحصى بحق الآخر، ويرى كل واحد في الاثنين الآخرين، مشروع حليف، ومصلحة عليا لبلده ولعلاقاتهم الثنائية ... جميعهم من مدرسة واحدة: اليمين الشعوبي المتطرف ... وجميعهم «قوميون متعصبون» ... ترامب يتحدث عن «أميركا العظمى ثانية» ... نتنياهو يرفع لواء «إسرائيل الكبرى» ... وجونسون يريد أن يخرج بـ»بريطانيا العظمى» من الاتحاد الأوروبي بأي ثمن، باتفاق أو من دونه، ففي خروجها تكمن عظمة بريطانيا، وتستعيد الإمبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عنها ذات يوم، هيبتها ومكانتها بين الأمم، وتحفظ نقاءها وخلاصها من طوفان الأجانب واللاجئين.
الثلاثة من أنصار مدرسة يمينية انغلاقية، لا يحترمون الاتفاقات والمعاهدات المبرمة، لا يقيمون وزناً للشرعية الدولية والقانون الدولي ... ثلاثتهم مهجوسون بتجارة السلاح وجني المليارات، حتى وإن كان ذلك على حساب شعوب مستضعفة، وملايين الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.
هم أصدقاء، يعاضد بعضهم بعضاً ... مقارباتهم من مختلف ملفات المنطقة وأزماتها متقاربة، من فلسطين إلى إيران، ومن سورية إلى اليمن ... شعبويون معادون لـ»المؤسسة» و»المؤسسية»، خطرون على الديمقراطية في بلدانهم والعالم ... ترامب مزق كل التراث الرئاسي الأميركي، وجونسون خدع الملكة وورطها بقرار تعليق عمل البرلمان ... ونتنياهو عدو للمحكمة العليا ومراقب الدولة والسلطة القضائية.
لغتهم تحريضية ... ترامب تحدث بعنصرية فجة عن السود واللاتينيين والعرب والمسلمين ... نتنياهو يصف نواب الكنيست العرب بالأعداء، ولا يكف عن استهداف عرب 48 والتعريض بهم والتحريض عليهم ... جونسون حذر أعضاء مجلس العموم من مواجهة خطر القتل إن استمروا في مواقفهم من مسألة «البريكست»، ما استدعى ثورة غضب داخل «ويستمينستر» وخارجه ... ثلاثتهم مخرجات بغيضة لأفضل نظام سياسي توصلت إليه البشرية: النظام الديمقراطي.
لكن ثلاثتهم في المقابل، استولدوا مقاومة ضارية من الشعب والمجتمع المدني والإعلام ومؤسسات الرقابة والمحاسبة والقضاء... ثلاثتهم يخوضون اختبار «الديمقراطية التي تصحح نفسها بنفسها»، وقد وجدوا أنفسهم في خضم منظومة الـ 'Checks and Balances” التي قد تعصف بهم، وقد تعصف بهم قريباً، وربما في توقيت متزامن أو متقارب.
كلمة ترحيبية
في البدء كانت «الفكرة» ... و»الفكرة» كانت أقرب إلى الحلم أو بالأحرى إلى المغامرة ... هل يمكن لمجموعة صغيرة لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، وبموارد مالية تكاد تقترب من الصفر، أن تشرع في تأسيس مركز للدراسات، يتطلع للقيام بدور رائد في توفير «فهم أعمق وأدق» لقضايا الأردن والشرق الأوسط؟ ... لم نتردد في الإجابة عن هذا السؤال، وشرعنا في محاولات متكررة للحصول على الموافقات و»التراخيص» اللازمة، إلى أن كان لنا ما أردنا في مختتم العام 1999. لم نمضِ طويل وقت، أو نصرف كبير عناء في تحديد أولوياتنا وبرامجنا، فنحن نعمل في بقعة من العالم، عانت لأكثر من نصف قرن، من الركود، في ظل أنظمة تميز أكثرها بالفساد والاستبداد، في ظل فشل دول وحكومات وأنظمة «ما بعد الاستقلالات العربية» في بناء «دولة الأمة»، دولة جميع مواطنيها من دون استثناء أو تمييز ...