استيقظت رسل من نومها لتجد نفسها بمفردها، إذ اختفى زوجها الجديد فجأة بعد زواج لم يدم إلا ثلاث ساعات.
لم تكن تلك زيجتها الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ولا حتى الرابعة، بل لقد تزوجت رسل، الفتاة المراهقة، مرات عديدة تستعصي على الحصر.
كانت البداية لقاء في مكان عملها دفعها إلى سلوك هذا الطريق المرعب.
قبلها كانت رسل دوما تراقب الفتيات الأصغر منها سنا يرتدين ثيابا ضيقة ويضعن مساحيق على وجوههن يأتين وينتظرن في لهفة، وسرعان ما يأتي رجال يكبروهن سنا لاصطحابهن.
وتقول رسل: “كنّ شابات رائعات الجمال في مقتبل العمر، كنت أتعجب ما الذي يدفع أي فتاة لتبيع نفسها بهذا الشكل؟”
ولكن رسل لم تكن أفضل حالا من هؤلاء الفتيات، إذ كانت تعول بمفردها اختها رلا بعد أن تخلى عنها أهلها.
بيد أنها رغم الصعوبات التي تكبدتها، قطعت على نفسها عهدا ألا تعتمد على رجل في مواجهة مصاعب الحياة. وكلما كان يدس أحدهم رقم هاتفه خلسة في يدها، كانت تتجاهله.
غير أن رجلا جاء ذات يوم إلى مكان عملها وأخذ يتجاذب معها أطراف الحديث. وتحدثت معه رسل عن ماضيها والأسباب التي حملتها على العمل بدلا من الذهاب إلى المدرسة، وعن مسقط رأسها، وشعرت أنه مهتم بها فعلا.
وأصبحت الحياة أكثر قسوة على رسل، التي لم يكن راتبها البسيط يكفي لتلبية احتياجاتها المعيشية في بغداد.
وراودها حلم الزواج، رغم العهد الذي قطعته على نفسها بأن تظل مستقلة، وتمنت أن تجد زوجا يعتني بها وبأختها.
وأخذ الرجل يتردد على مكان عملها يوميا ويسعى بشتى الطرق لكسب ودها، ويوما بعد يوم، تسلل العشق إلى قلبها.
ولم تكد تمر أسابيع معدودة حتى تقدم إليها لطلب يدها، واصطحبها إلى حي الكاظمية في بغداد، حيث مكتب الزواج الشرعي، وشعرت رسل أن قلبها يكاد يطير فرحا.
ولم تستغرق مراسم الزواج وقتا طويلا، إذ استهلها الشيخ بقراءة بضع كلمات، ثم سألها إن كانت توافق على الصداق المسمى وقدره 250 دولارا، وقدم لها عقدا. ولكن رسل كانت أمية لا تعرف القراءة، وحتى لو كانت تقرأ، فإنها أغلب الظن لم تكن ستكتشف شيئا غير معتاد في العقد.
وبعد دقائق من مباركة الشيخ لزواجهما، انطلق بها زوجها مسرعا إلى شقة مجاورة للدخول بزوجته. وكانت رسل رغم القلق الذي تملكها، تتطلع للسكن في منزل لائق مع أختها، بعد سنوات من المعاناة والمشقة.
وتبعت زوجها إلى غرفة النوم، وأغلقت الباب خلفهما، وأخذت تدعو الله أن يعاملها بالحسنى وأن تستمر حياتهما معا للأبد.
وبدت الأيام القليلة الأولى بالفعل أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.
وتقول رسل: “شعرت أن عبئا ثقيلا أزيح عن كاهلي، وأنني لن أحمل هم المال بعد اليوم”.
ولكن لم تكد تمر أسابيع قليلة حتى اختفى زوجها.
ولم تكن رسل تعرف أن هذا الزواج كان محدد الأجل من قبل أن يبدأ. يطلق على هذا النوع من الزواج اسم “زواج المتعة”، الذي يتخذ ذريعة لممارسة الجنس تحت ستار ديني. وقد اكتشفت أن عقد زواجهما قد انتهى.
وقررت أن تلجأ للشيخ الذي عقد قرانهما. وتقول إنه بدا وكأنه كان ينتظر قدومها.
وكانت زيجات المتعة شائعة في إيران والجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام. واليوم يبيحه أئمة الشيعة في العراق وإيران، حيث يشكل أتباع مذهب الاثنى عشرية الغالبية العظمى من الشيعة.
ويقول خبراء إن الهدف من هذا النوع من الزيجات هو إشباع الرغبات الجنسية وليس التناسل، وإن أغلب هذه الزيجات كانت تعقد في القرون الماضية في الأماكن المقدسة والمراكز التجارية، حيث كان الرجال الذين يتكبدون مشقة السفر بمفردهم يبحثون عن رفيق درب يؤنس وحدتهم.
ويخضع زواج المتعة لعقد ينص صراحة على الأجل والمبلغ الذي يقدمه الزوج لزوجته المؤقتة نظير الاستمتاع بها. وقد يكون العقد غير مكتوب ولا يشترط في بعض الأحيان أن يوثقه رجل دين، رغم أن رجل الدين يكون حاضرا في معظم الأحيان.
وقد تتراوح مدة عقد زواج المتعة من ساعة واحدة إلى 99 سنة. ويحق للزوج أن ينهي العقد في أي وقت شاء.
وعلى الرغم من أن زواج المتعة محرم في المذهب السني، إلا أن بعض أئمة السنة يبيح نوعا مشابها لزواج المتعة وهو “زواج المسيار”، الذي أثار الكثير من الانتقادات لما ينطوي عليه من غبن واستغلال للمرأة.
ويرى مؤيدو زواج المتعة أنه قد يكون خطوة إيجابية للمقبلين برغبتهم على هذا النوع من الزواج الذين يدركون تبعاته. ولكن هذا النوع من الزواج المؤقت قد يتخذ سبيلا للاستغلال.
قد يفتح زواج المتعة الباب للاعتداء على الأطفال في بعض حالات الفتيات القاصرات، مثل رسل، فضلا عن أن هذه العقود غير معترف بها في القانون المدني العراقي.
إذ ينص القانون الجنائي على أن يعاقب كل من يمارس الجنس مع فتاة أو امرأة خارج إطار الزواج بالسجن لحد أقصى سبع سنوات، إذا كانت الفتاة يتراوح عمرها من 15 إلى 18 عاما أو لحد أقصى 10 سنوات إذا كانت الفتاة دون 15 عاما.
وتقول رسل إن الشيخ نصحها بأن تستمر في ممارسة زواج المتعة مع المزيد من الرجال، قائلا إنه الحل الوحيد للمشاكل التي تواجهها.
والتقط الشيخ لها صورا.
كانت رسل تدرك في قرارة نفسها أنها ستعجز آجلا أو عاجلا عن تدبير نفقات المعيشة براتبها الضعيف، وأن فرصها في تحسين دخلها تكاد تكون معدومة كونها لم تنل حظا من التعليم. وأدركت أيضا أن آمالها تبددت في العثور على رجل يريد زوجة دائمة منذ أن فقدت عذريتها.
وتقول: “أصبح الشيخ سمسارا، يوفر لي العمل، ولم أجد مفرا من السير في هذا الطريق”.
ولم تفصح رسل عن تفاصيل المبالغ التي تتقاضاها، ولكنها تقول إن الشيخ يحصل على رسوم من العميل ثم يدفع لها المهر. وتقول إن آجال العقود كانت تتراوح ما بين ساعات قليلة وأسابيع عدة.
وتقول: “عندما يتصل بي الشيخ هاتفيا ويقول ‘لقد وجدت شخصا مناسبا لك’، لا أجد بدا من الموافقة.”
ومارست رسل الجنس مع الكثير من الرجال إلى حد أنها لم تعد تتذكر أعداد الرجال الذين جامعوها بموجب عقود زواج المتعة.
وتقول إن الشيخ يوفر لها حقن منع الحمل ليضمن أنها لن تحمل.
وتقول: “إن هذا الأمر شائع للغاية بين الكثير من الفتيات من أمثالي”.