تشرف عشرية عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز على الانصرام؛ تاركة بصمات طيبة بارزة للعيان على مختلف مجالات الحياة في جميع أنحاء الوطن، وفي أماكن أخرى من العالم. من أهمها الحرية والأمن والبناء وشيء من عزة وكرامة الإنسان.
ولذلك يكاد ينعقد إجماع الموريتانيين على إيجابية حصيلة عمل الرجل رغم تباين آرائهم حول تقييمها. ذلك التباين الناجم عن اختلاف المشارب والمدارك العلمية والذهنية ومدى الالتزام بالموضوعية والابتعاد عن الذاتية؛ خاصة إذا علمنا أن “الإعلام” المغرض هو سيد الموقف في ظل ضعف وتراجع إعلام الدولة. وتكاد تنعدم – مع الأسف- في البلاد معارضة وطنية تقدمية تضع خطا فاصلا بينها وبين التشكيلات السياسية الرجعية والعنصرية، وتملأ الساحة الوطنية بسياسة وفكر وطنيين تقدميين، وتبني عملها وتحالفاتها على أساس دعم ما هو صالح ونبذ ما هو طالح، والسعي من أجل تحقيق ما يجب ويمكن تحقيقه.. وبذلك تهيئ طريقا سالكا إلى التداول الديمقراطي السلمي للسلطة ينجح فيه الأمثل وليس الأكثر صخبا وضجيجا.وبما أن الرئيس قد أعلن في مناسبات عديدة عن عدم ترشحه لمأمورية جديدة، وأجرى إصلاحات دستورية وهيكلية مهدت للتداول السلمي للسلطة كان آخرها الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية التي جرت للتو بنجاح، فإن بلادنا تمر بمرحلة انتقالية حاسمة يتوقف نجاحها على نوعية الحكومة الرشيدة التي ستقود البلاد خلال هذه المرحلة. وها نحن نساهم في تحديد بعض مواصفات تلك الحكومة وهي:- أن تكون حكومة كفاءات قبل أن تكون حكومة موالاة. وهذا يعني ترجيح معيار الكفاءة فيمن سيتقلد منصب وزير في هذه المرحلة على معيار الموالاة رغم أهميته. مع العلم أن صفة الموالاة تختلف جوهريا عن مفهوم الإخلاص الذي لا غنى عن توفره في كل مسؤول!- أن تكون حكومة نظيفة؛ وهذا يعني أن لا يكون من بين الذين سيتولون تصريف الشأن العام من تحوم حولهم شبهات التورط في جرائم اختلاس أو رشوة أو في قضايا مخلة بالشرف.. فالوزير قائد ومثل أعلى. و”إن البياض قليل الحمل للدنس”. وصدق شوقي في قوله:وإذا المعلم لم يكن عدلا مشى ** روح العدالة في الشباب ضئيلا.- أن تكون حكومة تمثل الشعب الموريتاني. وهنا لا يكفي أن تكون منبثقة عن الحزب الحاكم وأحزاب الأغلبية الممثلة في البرلمان فحسب؛ بل يجب كذلك أن يراعى في تشكيلها تمثيل مختلف المكونات الاجتماعية ومختلف جهات الوطن حتى لا يشعر طرف بالغبن أو التهميش. مع الحذر كل الحذر من أن تكون حكومة محاصصة أو صفقات اجتماعية أو جهوية.- أن تكون حكومة من الشباب أساسا؛ فمن مناقب السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه خرج في خضم عشرية عهده عن تقليد تليد ظل متبعا منذ استتباب السلطة “الجمهورية” خلال المرحلة “الديمقراطية” من نظام 12/12 إلى ذلك الوقت الذي تم فيه إلغاء ذلك التقليد القاضي باكتتاب كبار مسؤولي الدولة من “الوسط” الجمهوري “العميق” حصريا لا غير (ينظر مقالي “هنيئا للمخلدين” بتاريخ 23 /9/ 08). وبخروجه عن ذلك التقليد ضمن الرئيس لنظامه الحصول على دماء جديدة وكفاءات شابة منسجمة مع توجهاته وطامحة إلى التغيير ومؤمنة به في غالبها. ومن الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى مواصلة السير في نهج التجديد والاعتماد عموما على الشباب (رجالا ونساء) ممن تتوفر فيهم الكفاءة والنزاهة والإخلاص.- أن تكون فريق عمل متحدا ومنسجما ومتجانسا ومتضامنا؛ ذلك أن الحكومة فريق عمل مسؤول عن كل شيء، ويشرف على كل شيء. ومن المستحيل أن ينجح فريق يلعب بعضه ضد بعض. نحن نؤمن بالاختلاف في الرأي، وبوجود مؤلفة قلوبهم في حالات نادرة ومؤقتة. ولكن ذلك لا يجوز أن يضر بالمصلحة الوطنية العليا. وإذا أضر بها فعلى قائد الفريق التدخل والتصرف. لقد سئمنا – في حقيقة الأمر- حالات التدابر والصراع والتناوش التي تطفو في بعض الأحيان على السطح ولا يستفيد منها إلا العدو.- وأخيرا، وإن لم تكن أقل المواصفات أهمية: أن تكون حكومة من البشر تعمل على خدمة وإسعاد البشر. نحن نعلم أن معظم وزراء حكوماتنا المتعاقبة – على فضلهم- بعيدون جدا من المواطنين الذين يفترض أن تكون خدمتهم هي مبرر وجودهم أصلا؛ إذ من الصعب جدا أن يتمكن المواطن العادي من مقابلة وزير، سواء في مكتبه أو في بيته. كما يمنع على جل الكتاب الخاصين للوزراء أن يعلموا الوزير بوجود زائر إلا إذا كان لديه موعد مسبق. وأنى للمواطن العادي الحصول على موعد مسبق مع من لا يمكن الاتصال به؟ خاصة أن معظم وزرائنا لا يردون على مهاتفيهم، ولا يقرؤون الرسائل النصية، ولا يجيبون على رسائل المواطنين!لا جرم أن للوزير شواغل كثيرة، وأن عمله لا ينحصر في استقبال المواطنين ذوي الحاجات، وأن لدينا طفيليين ومتطفلين وطماعا يصعب التعامل معهم جميعا في ظل ترشيد وصيانة الشيء العمومي. ولكنْ هناك أيضا مواطنون لديهم مشكلاتهم الحقيقية التي ينبغي حلها، وعندهم مصالح مهددة تجب رعايتها مهما كانت انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية.. فالوزير وزير الجميع، والحكومة حكومة الجميع، والدولة دولة الجميع!وهنا أذكر للتاريخ سيرة رجلين عرفتهما وعرفهما المجتمع الموريتاني من الممكن والواجب الاقتداء بهما في هذا المجال الصعب؛ وهما:- الرئيس المدير العام للبنك الموريتاني للتجارة الدولية السيد سيدي محمد ولد العباس رحمه الله؛ فهذا الرجل – رغم ما منّ الله به عليه من مال وجاه- لا يغلق باب مكتبه أبدا ولا توجد حراسة أمام بابه. ويستقبل جميع زواره بانتظام في دقائق محدودة يعرضون فيها حاجاتهم، فإن كانت مشروعة وممكنة وجههم فورا إلى من يعتني بهم، وإلا وقف يودعهم معلنا استحالة ما يطلبون وسبب الاستحالة. يقول المثل الشعبي: “حَلْ الرَّاصْ افْتِيحَه”.- معالي الوزير محمد ولد الناني مد الله في عمره؛ فقد كان يتبع نفس الأسلوب عندما كان مديرا لأكبر بنك موريتاني يومئذ، فكان يتجول أمام شبابيك البنك عندما ينهي اجتماعاته المهمة، يراقب سير العمليات ويسأل المراجعين عن حاجاتهم ويحل مشكلاتهم. وقد ظل كذلك عندما أصبح وزيرا للمالية!