أعلنت تركيا الثلاثاء الماضي استعدادها لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، إذا طلبت ذلك حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السرّاج، والتي كانت قد وقّعت معها في 27 من نوفمبر الماضي مذكرتيْ تفاهم حول التعاون الأمني والعسكري وحول السيادة على المناطق البحرية. وأكد مولود تشاوش أوغلو وزير الخارجية التركي أن بلاده لم تتلق طلباً من حكومة الوفاق الوطني في ليبيا لتقديم دعم عسكري لها ضد قوات الجيش الوطني الليبي، لكنها مستعدة لفعل ذلك. وجاءت التصريحات التركية بعد أن أعلن المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، الخميس الماضي، إطلاق معركةت حاسمة للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس. وكان المشير حفتر قد أطلق يوم 4 أبريل الماضي، حملة واسعة للسيطرة على طرابلس ولتطهيرها من الجماعات الإرهابية، فيما أمر السراج القوات الموالية له بالتصدي للهجوم. فهل تتدخل تركيا عسكرياً لدعم حكومة السراج، حسب الاتفاق الأمني العسكري المبرم بين الطرفين؟ وماهي المصالح التركية في ليبيا؟ وماذا تريد أنقرة هناك؟
تعقيدات الأزمة الليبية ناتجة عن كثرة اللاعبين الدوليين على الساحة الليبية، وعن وجود عامل الثروة الليبية النفطية الكبيرة، إضافة إلى أهمية الموقع الجغرافي لليبيا في حماية بوابة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وتبدو ليبيا اليوم، وبعد ثماني سنوات على الهجوم الذي شنته قوات «الناتو» للإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، كحالة سياسية فريدة؛ فالدولة الليبية منقسمة سياسياً، يتنازع السلطة فيها طرفان، ولا وجود لنظام سياسي واحد ولا لسلطة سياسية مركزية. فالطرف الأول، وهو حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس، والطرف الثاني هو الحكومة المؤقتة العاملة في شرق ليبيا برئاسة عبد الله الثني، والتي يدعمها كل من مجلس النواب في مدينة طبرق والجيش الوطني الليبي، وهو جيش نظامي وفق تسلسل قيادي تراتبي يضم كافة العسكريين السابقين في الجيش الليبي. وكان الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر قد أطلق في مايو 2014 عملية «الكرامة» لمواجهة المليشيات المسلحة المسيطرة على بنغازي، وسرعان ما تزايد عدد العسكريين والمتطوعين في صفوفه، في مواجهة مليشيات متشددة ومرتزقة مكونة من بقايا تنظيمي «القاعدة» و«داعش» ومليشيات إجرامية تتاجر بالمخدرات والنفط والبشر، وضمنهم قتلة السفير الأميركي.. وكل ذلك بدعم من دول إقليمية تحارب إلى جانب السراج ومجلسه الرئاسي وحكومته لصد قوات الجيش الوطني الليبي عن العاصمة طرابلس.
وتتشابه الأزمة الليبية مع الأزمة السورية في كون الأطراف الدولية والإقليمية لا تستطيع التخلي عن مستقبل ليبيا، فمستقبلها يؤثر بشكل مباشر على كل من أميركا وروسيا وأوروبا، وكذلك على دول المنطقة العربية ودول الجوار. ومستقبل الاقتصاد الليبي مرتبط مباشرة بالاقتصاد الأوروبي والعالمي. لذلك فالجميع معني بالأزمة الليبية. ودخول العنصر التركي عبر بوابة الاتفاقيات لن يغير من هذه الحقائق، ونتائج العملية العسكرية التي يقودها المشير حفتر ستؤثر على خارطة المنطقة، أما تركيا فمن المستبعد أن تقوم الآن بإرسال قوات للقتال في ليبيا إلى جانب حكومة السراج، إلا أنها قد تسهّل نقل آلاف المقاتلين المتطرفين الفارين من سوريا إلى ليبيا.
الوضع الليبي حرج؛ فالقتال مستمر والتدخلات الإقليمية والدولية ساهمت في إطالة أمد الحرب، والتي ينتظر أن تحسمها أخيراً معركة الحسم في طرابلس على يد الجيش الوطني الليبي.
عائشة المري كاتبة رأي
* نقلا عن "الاتحاد"