تثير اللقاءات التي يجريها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني مع المعارضين الرئيسيين في البلاد، جدلاً واسعاً في أوساط الأغلبية والمعارضة على حدٍّ سواء، خصوصاً أن من بين من اجتمع بهم الرئيس، منافسوه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الذين رفضوا الاعتراف بفوزه فيها.
وعلى الرغم من جوّ الارتياح الذي خلقته لقاءات الغزواني بالمعارضين، وفسحها المجال لمناقشة بعض المواضيع الملحّة، وتقريب وجهات النظر حول قضايا تشغل الموريتانيين، وعلى رأسها خشيتهم من عودة رموز الفساد، إلا أن كثيرين انتقدوا هذه الاجتماعات، معتبرين إياها تملقاً غير مبرر نحو الطرف الآخر.
وبرأي بعض المعارضين، فإنه لا يوجد إجماع على اللقاءات المنفردة التي يجريها الغزواني مع كل معارضٍ بشكل منفصل، وهي لا تخدم إلا الرئيس الموريتاني الذي يبحث عن توسيع قاعدته الجماهيرية بعدما فاز بنسبة 25 في المائة من أصوات الناخبين. من جهتها، اعتبرت الأغلبية في السلطة أن لا ضرورة حالياً للسعي إلى كسب ودّ المعارضة التي لا تزال ترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات.
انتقد كثيرون في السلطة والمعارضة لقاءات الغزواني، معتبرين إياها تملقاً غير مبرر نحو الطرف الآخر
وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، اجتمع الرئيس الموريتاني بقادة المعارضة، في لقاءات معلنة وأخرى بقيت طيّ الكتمان، من بينهم زعيم المعارضة أحمد ولد داداه، والناشط الحقوقي بيرام ولد أعبيدي الذي حلّ ثانياً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ورئيس الوزراء الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر الذي جاء في المرتبة الثالثة.
وفي التصريحات التي أدلى بها المعارضون عقب هذه اللقاءات، بدا جلياً أن لغة التفاؤل والارتياح كانت السائدة، على الرغم من وجود محاذير وسقوف معيّنة لدى كل طرف. وجرى في الاجتماعات تناول العلاقة بين الأغلبية والمعارضة وضرورة إعادة صياغتها بما يخدم الحياة السياسية ويخفف من حدة الخطاب السياسي بين الفرقاء، خصوصاً أن الغزواني عبّر في أكثر من مناسبة عن رغبته في وضع حدٍّ للمواجهات المستمرة بين السلطة والمعارضة، محذراً من تداعياتها على استقرار البلد.
غير أن تعليقات مراقبين على هذه اللقاءات لم تكن بمستوى التفاؤل الذي تحدث به قادة المعارضة. واعتبرها أغلبهم من متطلبات المرحلة، خصوصاً بالنسبة إلى النظام الذي يحاول التخلص من خصومات الماضي وعداوات تركها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز خلال فترة حكمه التي تعتبر واحدة من أكثر فترات الحكم سخونة في تاريخ موريتانيا.
وفي هذا السياق، رأى الباحث السياسي الموريتاني، محمد مولود ولد سيداتي، أن إجماع المشهد السياسي الداخلي حول إيجابية الاتصالات التي أجراها الغزواني مع قادة المعارضة، هو في حدّ ذاته إنجاز، من الضروري أن تتبعه خطوات أخرى أكثر أهمية حتى لا تكون هذه اللقاءات مجرد تطبيع تتطلبه المرحلة الحالية. وقال ولد سيداتي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن "هذه اللقاءات ستكون إيجابية إذا أُطلِق حوار وطني شامل بين الأغلبية والمعارضة، فحظوظ نجاح الحوار حالياً أقوى، أخذاً بالاعتبار الإشارات التي يطلقها الرئيس بين الفينة والأخرى وتصريحاته التي تشيع جواً من الأمل وتبعث على التفاهم والتصالح".
وأكد الباحث السياسي "حاجة الطبقة السياسية في موريتانيا إلى المصالحة، وإذا استفدنا من جو الأمل الذي يشيعه الرئيس حالياً، فسيكون بالإمكان إيجاد حلول لمجمل القضايا المقلقة، لكن الامتحان الأصعب هو الجلوس إلى طاولة الحوار في أقرب فرصة حتى لا تتدخل أطراف أخرى لا يصبّ هذا الحوار في مصلحتها، فتفسد هذه الأجواء بادعاءات لن تستفيد منها موريتانيا، مثل القول إن تقارب النظام مع المعارضة إنما هو أسلوب لتشتيت الأخيرة". وشدد ولد سيداتي على أن الاحتقان السياسي والشحن العرقي لن يفيدا البلاد، وأن موريتانيا في حاجة ماسة للتوافق والتشاور والبحث عن حلول للمشاكل الكثيرة التي تتخبط فيها.
يحاول النظام التخلص من خصومات الماضي وعداوات تركها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز
وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن المعارضة تنتظر الاستجابة لبعض المطالب التي تقدم بها زعماؤها خلال لقاءاتهم بالرئيس، ومن بينها رفع الحظر عن المنظمات التي أُغلِقَت أخيراً والتابعة للتيار الإسلامي، ووقف ملاحقات رجال الأعمال المعارضين، ومن بينهم محمد ولد بوعماتو ومصطفى الإمام الشافعي.
وفي انتظار الاستجابة لهذه المطالب، التي ستفتح الطريق أمام حوار وطني يكسر القطيعة بين النظام والمعارضة، يبقى الشارع الموريتاني مترقباً لما ستؤول اليه الأمور مستقبلاً بين الطرفين من جهة، ومن جهة أخرى لما سيقوم به الرئيس الجديد في مجال إدارة الشأن العام، وما إذا كان حكمه سيشكل قطيعة حقيقية مع طريقة حكم الرئيس المنصرف الذي خلّف جواً من التفرقة والتأزم بين الأطياف المختلفة، وحالة من انعدام الثقة أثّرت بالتنمية والاقتصاد.
نواكشوط - سكينة إبراهيم
العربي