قوة الدولة لها أهمية عظيمة في تحقيق ما تريد، لكن لا يعني امتلاكها للقوة قدرتها على تحقيق أهدافها، فقد تمتلك الدولة مُختلف أشكال القوة، إلا أنها لا تستطيعُ استغلالها في تحقيق أهدافها. فهناك ثلاث أنواعٍ من القوى وهمّ القوة الصلبة والقوة الناعمة والقوة الذكية، فكل واحدة منها لها قوة في تحقيق الأهدافٍ معينة، لتكون القوة الناعمة أفضل من القوة الصلبة في بعض الأحداث باختلاف الأماكن والأزمان والعكس صحيح. في هذا المقال سأشرح ماهية القوة الناعمة ومن ثمَّ سأشرح دور ترامب في إضعاف القوة الناعمة الأمريكية.
في البداية سأشرح تعريف القوة ومن ثمَّ سأبينُ ماهية القوة الناعمة حسب ما يراه جوزيف ناي فهو أول من نحت مُصطلح القوة الناعمة. إن القوة بشكلها العام يمكن تعريفها كما عرفها جوزيف ناي "أمكانية التأثير على الأخرين لتحقيق ما نُريد" فيرى جوزيف ناي أن التأثير على الأخرين يكون بعددٍ من الطرق وهمّ: أولاً "العصى" أي الإرغام بالقوة، ثانياً: "الجزرة" التأثير عليهم بالمال. ثالثاً: "القوة الناعمة" أي أن تجذبهم لصفك. فتسمى القوة الأولى والثانية بالقوة الصلبة، ولتشكل الثالثة القوة الناعمة، ليدمج قوةً أخرى وهي القوة الذكية، وهي تدمج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة. ليصف جوزيف ناي القوة الناعمة: أنها القدرة على التأثير على الأخرين من أجل تحقيق ما نريد عن طريق الإقناع وجذب الأخرين.
اليوم تعتبر القوة الناعمة لدولة مهمة جداً في تحقيق أهدافها، وخاصةً مع التقدم العلمي، وسهولة وسرعة التواصل الاجتماعي بين الدول، عن طريق المذياع والتلفاز، والإنترنت وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، لهذا إن القوة الناعمة في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي، لها أثرٌ كبيرٌ في إنجاح مهمتها وهي التأثير على الأخرين.
إن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت القوة الناعمة بشكل كبير خلال أعوامٍ طويلة، وحققت نجاحات عديدة عن طريق استخدام هذه القوة. فانتشر الليبرالية في أنحاء العالم، ليرتفع عدد الدول الليبرالية. لتلاقي الثقافة الأمريكية تقبلاً كبيراً من قبل الدول والشعوب، وخاصة بعد انتصار الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة لينتشر ما يعرف "بالأمركة" لتؤثر الثقافة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، على العديد من الدول والشعوب العالم. إلاَّ أنَّ القوة الناعمة الأمريكية ضعفت بعد تولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة. لتصبح القوة الناعمة الأمريكية اليوم ضعيفة إذا ما قورِنَت بالسابق، فمنذُ تولّي ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، ظهرت تشققات في القوة الناعمة الأمريكية ليستخدم ترامب بديلاً لها القوة الصلبة التي تُمَثلُ "العصى والجزرة".
إنَّ ترامب بسياسته الديماغوجية، أشّعَل غضبَ حكومات وشعوب الدول الأخرى، فمنذ خطابه الرسمي الأول بعد توليه الرئاسة ظهرت الشعبَويّة واضحةً في سياستهِ ليقول "أمريكا أولاً". ليتبعُها بسياسة خارجية مُتشدد اتجاه العديد من الدول العالم، فيؤكد على أن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية يجب أنّ تكون في المقدمة وفوق كلِ شيء، ومُشدداً على أنَّ أمريكا لا يجب عليها إنفاقُ المزيدِ من الأموال على حلفائها للدفاع عنهم. إنَّ سياسة ترامب الخارجية هيَ أكثر مَنّ أضعف القوة الناعمة الأمريكية، فهي لمّ تكن جاذبة بلّ كانت نافرةً للدولِ الأخرى، ليشير استطلاعاتُ الرأي العالمية، أنَّ القوة الناعمة الأمريكية انخفضت منذُ تولّي ترامب الرئاسة.
هنالك العديد من السياسات الخارجية لترامب التي أدت إلى إنفار الدول والشعوب الأخرى، فمن هذه السياسات إعلان ترامب انسحاب أمريكا من اتفاقيةِ المناخ، وفرض قيودٍ على المهاجرين إلى أمريكا، وإصرارهِ لبناءِ جدارٍ مع المكسيك، وانسحابه من الاتفاق النووّي الإيراني، كما أعلن ترامب عن انسحاب أمريكا من المعاهدة النووّية مع روسيا، وعمل على اتفاق تجاري جديد مع كندا والمكسيك مُعدلاً اتفاق النافتا، كما ظهر الانحياز الكبير لإسرائيل وذلك على حسابِ فلسطين، ناقلاً السفارةُ الإسرائيلية إلى القدس، وتبِعَها اعترافُ أمريكا في القدس عاصمةً للاحتلال الإسرائيلي، كما أعلن ترامب انسحاب أمريكا من "اليونسكو"، ولنّ ننّسى خوض أمريكا حرباً تجارية مع الصين، وتدخلها في فنزويلا. هذهِ السياسات الخارجية لترامب وغيرها كانت عاملاً نافراً لدول والشعوب العالم.
إنَّ القوة الناعمة تُعتبر القوة التي تؤثر على الأخرين عن طريق جذبهم لها، وفي ظلِ العولمة والتطور العلمي، تعتبرُ القوة الناعمة من أهمّ الوسائل التي يجبُ على الدولةِ أنّ تستغلها لتحقيق هدفِها، وقد تكون هي الوسيلة "القوة الناعمة" الأفضلُ في بعضِ الحالات، فلا يعني امتلاك الدولة القوة الاقتصادية والعسكرية أنها سَتُحقق هدفُها، بلّ يجبُ أن تعلّمَ ما هي القوة المناسبة التي ستستخدمها لتحقيق هدفها. برغمِ إضعاف دونالد ترامب القوة الناعمة الأمريكية، بسببِ سياستهِ الخارجية النافرةَ للدولِ العالم، إلاَّ أنَّ القوة الناعمة في أمريكا لمّ تسقط، فالثقافة الأمريكية ما زالت منتشرةً وجاذبةً لِدول وشعوب العالم، وهذا يعود لدورِ المؤسسات والشركات الخاصّة الأمريكية.
عمر شاور باحث في العلاقات الدولية
نقلا عن الجزيرة نت