تصاعدت نيران الحرب في ليبيا، بينما كان العالم منشغلاً بمواجهة حرب كونية على جائحة كورونا (كوفيد -19)، حيث تتزايد احتمالات انتشار الوباء في مناطق الصراعات المسلحة، مع إمكانية تحوله إلى كارثة تنضاف إلى كارثة الحرب والتشرد واللجوء. وقد ساد اعتقاد بأن الحرب على فيروس كورونا كفيلة بإخماد فتيل الصراعات المسلحة في مناطق العالم، وخاصة الشرق الأوسط، ولو مؤقتاً، استجابةً للمناشدات الدولية ولنداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم، والتركيز على محاربة الوباء.. لكن الصراع في ليبيا كان استثناءً، إذ تأججت الاشتباكات في الأشهر الماضية، بموازاة تصاعد انتشار الوباء في العالم. لذلك فقد حذّر مديرو ست منظمات أممية من خطر كورونا والنزاع العسكري على الشعب الليبي، في بيان حمل توقيع كل من مفوضية شؤون اللاجئين، ومنظمة اليونيسيف، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة، إضافة إلى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك.. حسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة. وحذّر البيان من أن ظهور فيروس كورونا في ليبيا يشكل عبئاً آخر على النظام الصحي المترهل، ومن أنه «حتى 13 مايو الجاري، تم تسجيل 64 إصابة بالفيروس، منها 3 حالات وفاة، في أجزاء مختلفة من البلاد، ما يدل على أن هناك انتقالاً للعدوى على المستوى المحلي، كما أن إمكانية حدوث تفاقم إضافي لتفشي المرض مرتفع للغاية». فما مدى تأثير أزمة كورونا على الصراع الليبي؟ وهل تتأثر مسارات الحرب والسلام بالوباء؟ وهل تسهم إجراءات الحجر الصحي والطوارئ وإغلاق الحدود في وقف الإمدادات العسكرية، اللوجستية والبشرية، لأطراف الصراع الليبي، وخاصة مليشيات طرابلس المدعومة من تركيا؟ وهل تتغير أولويات القوى الخارجية في ليبيا في ظل جهود مكافحة الوباء؟
لقد استجاب طرفا الصراع، حكومة السرّاج والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وإن بشكل متفاوت، إلى الدعوات الأممية للتهدئة ولإقرار هدنة إنسانية، حيث تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، مثل حظر التجوال، ومنع التجمعات، وإيقاف المدارس، وإغلاق المنافذ الحدودية والبحرية والجوية، فضلاً عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية. وأعلن الجيش الوطني الليبي هدنةً إنسانية خلال شهر رمضان لدعم الجهود المبذولة للتصدي لأزمة كورونا، لكنها سرعان ما انتُهكت من طرف المليشيات. حدث ذلك، رغم أن الساحة الليبية كانت مهيئةً أكثر من ساحات النزاعات الأخرى للتهدئة، وحتى للتسوية، بناءً على محادثات مؤتمر برلين في 19 يناير الماضي، حيث تعهدت أبرز الدول المعنيّة بالنزاع الليبي، لاسيما روسيا وتركيا، باحترام حظر تصدير الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011 على ليبيا، كما أقرت بأنه «لا حل عسكرياً للنزاع»، وألقت القوى الأوروبية بثقلها لدعم المسار السياسي لحل الأزمة.
ولا تعكس محدودية الأرقام المعلنة في ليبيا، بالضرورة، عدم تفشي الوباء، بقدر ما تعكس هشاشة المنظومة الصحية. ويأتي وباء كورونا كفرصة، وكتحدٍ لأطراف الصراع المباشرين وداعميهم (خاصة تركيا الأكثر تورطاً). فانتشار الفيروس، وبغض النظر عن الكلفة البشرية، قد يساهم وفقاً لحسابات أطراف الصراع، في ترجيح كفة طرف على آخر، وقد يصبح انتشار الوباء فرصةً لمباغتة طرف من جانب الآخر، مما يجعل نسبة المجازفة بتصعيد الحرب عاليةً، وهو احتمال يطغى على خيار التهدئة المفروض إنسانياً وأخلاقياً، ليبقى الناس محصورين بين نار الحرب ونار كورونا.
نقلا عن "الاتحاد"