الزهرة انفو ـ في عام 2014 تأسس في دولة تركيا "المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية"، حيث يقدم نفسه كـ"مؤسسة غير هادفة للربح".
ويذكر في تعريفه على موقعه الرسمي أنه "يهتم المعهد بتقديم الاستشارات للباحثين والمسؤولين في مؤسسات صنع القرار على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وكذلك للمنظمات الدولية العاملة في المنطقة، ولكل المتابعين للتطورات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في مصر والمنطقة العربية".
وأما عن رؤيته فإن هذا المعهد يقول أنها" بناء إطار فكري ينطلق من الثوابت الحضارية والفكرية للأمتين العربية والإسلامية، في مواجهة التحولات الراهنة، وإدارة التحديات التي تواجهها، وفق رؤي موضوعية تكون قاطرة لدعم المسارات العملية، ودعماً لصانعي القرار في المؤسسات المعنية."
حسنًا... هذا عن المعهد الذي تأسس في تركيا بالذات في تلك المرحلة بالذات من سياسات النظام التركي العدوانية تجاه مصر... ماذا عن الباحثين؟
نظرة واحدة لقائمة الباحثين بالمعهد تؤكد الشكوك، فالقائمة تضم أسماء ترتبط بقوة بجماعة الإخوان الإرهابية وبالنظام الإخواني العميل الذي أطاح به المصريون في عام 2013 -سواء كانوا من الأعضاء الرسميين أم من الداعمين بحكم الانتماء لتيار الإسلام السياسي-أمثال عبد الفتاح ماضي وسيف عبد الفتاح وجمال حشمت ومحمد محسوب وطارق الزمر..
بل ويجد المطالع للموقع الرسمي لهذا المعهد في قائمة الباحثين به بندًا بعنوان "مجموعة من رموز العمل الوطني" تضم أسماءً مثل: أيمن نور وعبد الرحمن يوسف القرضاوي ودينا زكريا وغيرهم.
من أبرز الأسماء الإخوانية المرتبطة بهذا المعهد محمد إلهامي الذي يقدم نفسه كباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية ويشغل في المعهد منصب "مدير وحدة الحركات الإسلامية".
بتفقد ومطالعة ملف مقالات محمد إلهامي هذا على موقع المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية نجد أن الأمر لا علاقة له بالأبحاث ولا بالدراسات، بل بتنفيذ مخطط تيار العثمانيون الجدد ونظامه الأردوغاني، وهو المخطط بعيد المدى الذي يهدف لتوظيف علم التاريخ لأجل ضرب فكرة "الانتماء الوطني" للشباب العربي تمهيدًا لزرع فكرة الولاء للجماعة أو التنظيم الدولي أو لخطة "بعث الخلافة العثمانية" التي يستخدمها النظام التركي كستار لمخططه للسيطرة على المنطقة.
فهو لا يقدم مجرد أطروحات بحثية أو دراسات بها نظريات وقراءات خاصة به للحالات التاريخية المختلفة يمكننا أن نتفق أو أن نختلف معها ولكن مع الاحترام لها، وإنما هو-وبأسلوب شديد الركاكة-يحاول جذب القاريء دائمًا لمنطقة أن "الإسلام السياسي هو الحل وجماعة الإخوان بالذات هي التي كانت تحمل الخير لمصر".. وهو في المقابل يقوم بالمعتاد من تقديم فروض الولاء والتمجيد للعثمانيين كالمعتاد الممل من أشباهه... وينهال على كل ما يعتز به المصريون من قيم تاريخية قديمة وحديثة ومعاصرة محاولًا تشويهه وهدمه، سائرًا في ذلك على خطى كبير أمثاله الذي علمهم السحر، الإرهابي الهارب علي الصلابي.
ولينتبه القاريء هنا، فإني لا أقول بتحصين الحالة أو الواقعة أو الشخصية التاريخية من النقد، بل أنني على العكس دائمًا أقول "إن إعادة قراءة التاريخ بشكل مستمر هي عملية أشبه بالدورة الدموية في جسم الإنسان، ينبغي ألا تتوقف"، وأن الشخص التاريخي هو إنسان له وعليه وأن الواقعة التاريخية أبطالها بشر غير معصومون من الخطأ.
ولكن ثمة فارق بين قراءة نقدية تبحث عن السلبيات لأجل كشف أسبابها وكيفية علاجها وتلافي آثارها مستقبلًا لأجل بناء مستقبل أفضل، وتلك القراءة الهدامة المُسَيَّسة المؤدلجة الساعية إلى هدم قيمة الاعتزاز التاريخي للمصريين وتوجيههم لازدراء تاريخهم وبالتالي الإصابة بحالة من الضياع والتشتت وفقدان البوصلة تسمح لكل من هب ودب بغزوهم فكريًا وبالتالي وطنيًا!
ولمعرفة الفارق بين النوعين من الكتابات، فإن الكتابة العلمية المنضبطة التي نختلف معها لكننا نحترمها هي التي تقوم على نقاط منظمة، بخط زمني منضبط، بسياق سهل التتبع، بعلاقة سببية بين النظرية المطروحة والوقائع المُستَشهَد بها.
أما الكتابة المؤدلجة فإنها تقوم في الأساس على تقديم الطرح وانتقاء ما يؤدي بالقاريء ضعيف المعرفة والخبرة بعلم التاريخ أن يعتنق نفس فكرة صاحب المقال.
ولأن المثل يقول "يكاد المريب أن يقول خذوني" فإن كل ما سبق من معطيات مع توقيت تأسيس المعهد وتلك الأسماء المشبوهة بين كُتابه، إنما يشير لحقيقة واحدة: أن هذا المعهد ما هو إلا مجرد ستار للنظام التركي، وذراع إعلامي مشترك بينه وبين جماعة الإخوان الإرهابية... وأن كل هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم كباحثين فيه إنما هم في حقيقة الأمر عملاء ضد وطنهم لصالح نظام يناصب هذا الوطن العداء!
وللحديث بقية -يتبع-
وليد فكري
كاتب وباحث في مجال التاريخ