لإن كان كلام الشيخ الددو الذي أثار زوبعة من الآراء المختلفة، له وجه من محامل الحق يحمل عليه، لكن من الأفضل للعالم أن يمسك بوسط العصا بين الحاكم والمحكوم لمرجعيته، ولأن جسور الثقة تنهد بالإختلاف عند الدهماء التي هي أكثر من في وطننا للأسف.
لكن حين يتعلق الأمر بالسياسة يهون، وتنتفي عنه القدسية، ويرى كل جاهل أن له حقا في التعبير، وإبداء رأي، لكن ذلك لا يخلو من من مجانبة للصواب، وتجاسر لا مبرر له، وقد يستدعي بعض هذه الأسئلة بعض إماطة اللثام عن لبس طالما وحب التنبيه إليه.
يسمع من البعض دائما مثل هذه العبارات والأسئلة:
… “ما گط رين حد أشبه مَنُّ” …
… “ما شفن زاد ذ عدل ش”…
… “ألا هو أشبه حد گط أحكم موريتان”..
… “أيو غزواني أشعدل”…
أسئلة وأحكام تستفزك في الحوار، وربما دفعت بك للصمت خوفا من نثر كنانة جرول، التي ستحضرك لا محالة عن ذكر نظام العشرية.
وإن أكثر ما يستفز المواطن المتتبع للشأن الموريتاني هو مثل هذه العبارات، وإن دلت في مراميها النهائية على تحصيل حاصل يمكن التعبير عنه بالقول المأثور: “رحم الله الحجاج ما أعدله”.
ليس حبا في الحجاج وإنما مبالغة في الإمتعاض من خلفه فقط؛ حتى صار الجحاح نعمة من سوء ما يبدر من خلفه ورغم كرهه للحجاج.
ليس من شيئ أكثر غرابة من قول قائل -يعتقد أن له حظا من العقل- “أشبه منو عزيز” فبماذا هو أفضل أولا؟
وممن هو أفضل ثانيا؟
وهل تصح مفاضلة بين مختلفين في الحال أو مختلفين في الظروف، أو مختلفين من حيث المسؤوليات والاهتمامات؟
إن العجب لا ينتهي حين يقيم أحدهم مفاضلة بين من جاء في زمن الطفرة وساعدته ظروف الوضع الدولي ومن جاء في ظرف معروف، وورث تركة ثقيلة كتركة العشرية.
لكن قبل أي حكم على الإثنين، ورغم إختلاف القترة الزمنية، وزمن مكث كل من الإثنين، تعالوا لنرى أولا، ونحاول الإجابة علي سؤال واحد لا مناص من إجابته في هذه المفاضلة التي شغلت الناس، واستخوذت على المجالس العامة والخاصة، وهو : كم كانت المديونية عند تسلم الأول للسلطة وكم كانت يوم خروجه، ولا تلقي أي بال للناتج القومي -علي كثرته وتضاعفه في أيام الطفرة – وكم كانت المديونية يوم تسلّمِ الأخير للسلطة، وكم هي اليوم؛ على ما كان من ظروف الحال الناتجة عن الظرف الدولي العام.
كثيرة هي روافد الإختلاف بين الإثنين، لكن لسوء حال أعوان هذا الأخير، وتمسكه بمعاول الهدم التي هدم بها الأول؛ صار الناس لا يورون غير وسائل تفقيرهم، وتجهيل ابنائهم، ونهب ثرواتهم، ووسائل الدوس على كرامتهم، فكان ما كان من هَدٍ لجسور الثقة بينهم وبين سائسهم.
قد يجد الكاتب سانحة يكتب فيها من الفروق والإختلاف مالله به عليم، لكن ما هي النتيجة المرجوة من ذلك، وشخوص المفسدين ماثلة أمام أعينه، والحال لم يتغير في الظاهر، أما بوادر التغيير وأسسه فلا تصلح للاستدلال أمام من لا يفهم إلا ببطنه الجائع، وعقله المقيم على مرابع التخلف، وبصره الذي لا يتجاوز مد أنفه إن بلغه.
لذلك كان كلام الشيخ غير مفهوم، ولم يجد مكانه الذي يتنزل به، وما ذلك عن قصر فهم الشيخ، ولا هو لسياق كلامه ولا لمراميه، إنما لا يطرب النغم والعود فاسد المزاج، ولا تصلح تجارة المجوهرات في زمن المجاعة وسوح الحروب.
تأملات عاطل