الزهرة انفو : أعلن في العاصمة الموريتانية نواكشوط، صباح اليوم الجمعة، عن وفاة رجل الأعمال والسياسة محمد الحافظ ولد محمد فال، المعروف بـ “حابه”، أحد أبناء “شنقيط” الذين تركوا بصمتهم في تاريخ موريتانيا.
ويعد ولد محمد فال من أبرز الشخصيات التي كان لها حضورها في التاريخ السياسي والاقتصادي للبلد، إذ واكب السنوات الأولى لتأسيس الدولة.
ساهم ولد محمد فال منذ البداية في النهوض بالاقتصاد الوطني، بصفته تاجرًا له حضوره في شبه المنطقة، وكان من أبرز تجار العاصمة نواكشوط، مستثمرًا في العقار والبنية التحتية.
وكان ولد محمد فال ينشطُ بشكل كبير في استيراد المواد الغذائية وتموين الأسواق الموريتانية، بالإضافة إلى أنه كان أول رجل أعمال موريتاني يشيد فندقًا في العاصمة؛ فندق شنقيط.
من جهة أخرى كانت لولد محمد فال توجهاته السياسية الوطنية، فعارض بشدة تدخل الجيش في السلطة إبان انقلاب 1978، وظل يدعو لعودة العسكريين إلى الثكنات والابتعاد عن السياسة.
من أجل تحقيق هذه الغاية، كان ولد محمد فال هو العقلُ المدبر للمحاولة الانقلابية التي وقعت يوم 16 مارس 1981، وهي محاولة كانت من تدبير حركة تحالف فيها ضباط من الجيش مع معارضين مدنيين، حملت اسم “تحالف موريتانيا الديمقراطية”.
تولى ولد محمد فال مهمة شراء الأسلحة ووسائل النقل والمؤون، وقد أكد في تصريحات لاحقة أنه صرف على تمويل ذلك من أمواله الخاصة، فيما ترك للضباط مهمة التخطيط للمحاولة الانقلابية ضد نظام العقيد محمد خونه ولد هيدالة.
فشلت المحاولة الانقلابية بعد معارك في العاصمة نواكشوط، ليصدر حكم غيابي بالإعدام في حق ولد محمد فال، فيما نفذ الحكم في حق الضباط الذين قادوا المحاولة وهم محمد ولد عبد القادر (كادير)، وأحمد سالم ولد سيدي.
بقي ولد محمد فال لسنوات عديدة في المنفى القسري خارج البلاد، فيما تعرضت ممتلكاته للمصادرة من طرف النظام العسكري الحاكم، كما تعرضت مخازن تابعة له للنهب والسلب، وهو الذي كان يملكُ أكبر مخازن العاصمة، لأنه من أكبر مزودي أسواق البلاد بالمواد الغذائية.
عاد ولد محمد فال إلى البلاد، بعد الإطاحة بحكم ولد هيدالة في انقلاب 12 ديسمبر 1984 على يد العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطائع، الذي أصدر عفوًا شاملًا عن جميع المعارضين، ولكن ولد محمد فال بعد عودته دخل في مسار قضائي طويل من أجل استعادة أمواله.
ظلَّ ولد محمد فال لسنوات مشتغلًا بالزراعة في سهول شمامة، ولكنه لم يقطع الصلة بالساحة السياسية، حتى قرر عام 2003 أن يدعم في الانتخابات الرئاسية خصمه السياسي السابق محمد خونه ولد هيدالة، في مواجهة ولد الطائع الراغب آنذاك في التجديد لنفسه بعد قرابة عشرين عامًا في السلطة.
اعتقل ولد محمد فال إلى جانب ولد هيدالة وعدة شخصيات أخرى، بعد شبهات أثارتها السلطات حول مصدر تمويل الحملة، متهمة آنذاك الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بتمويلهم لمحاولة قلب نظام الحكم في موريتانيا.
خضع للمحاكمة ثم أفرج عنه بعد تبرئته، وعاد إلى الاشتغال بأعماله وزراعته في سهول شمامه، حتى أطيح بنظام ولد الطائع، وترشح للرئاسة الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، سنة 2007، فأعلنَ ولد محمد فال دعمه.
ويقولُ مقربون منه وشخصيات كانت على صلة به، إنَّه لم يغير مواقفه طيلة هذه العقود، محتفظًا بإيمانه الديمقراطي.
الدبلوماسي والكاتب الموريتاني اعل ولد اصنيبه وصفه بأنه “الزعيم والمناضل الجسور”، وقال في منشور تأبيني إنه “رجل سجل بكل شجاعة وإقدام صفحات بارزة في تاريخنا السياسي الحديث والنضال من أجل التغيير”.
وأضاف ولد اصنيبه: “كان لي الشرف أن عرفت المرحوم في إحدى محطات نضاله، وكان ذلك في يوليو 2003 مع نخبة من أبناء الوطن البررة، التفت حول الرئيس محمد خونة ولد هيدالة في إحدى أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة. نِعم الرجل والمناضل، كان شجاعا صبورا ومرحًا في أيام السجن البائسة”.
كما كتب القيادي البعثي دفالي ولد الشين أن حابه ولد محمد فال “عاش، ما شاء الله له أن يعيش، كريما وقورا وطنيا مخلصا ورجل أعمال مشهود له بالاستقامة”.
وأضاف في منشور تأبيني: “لقد تعرفت على المرحوم في مراحل مختلفة من الحياة، وبخاصة في المجال السياسي، واشتركنا السجن في هذا الإطار. وطيلة هذا المسار كان المرحوم في كل المواقف رجلا شجاعا وأخا وصديقا وفيا ووطنيا مخلصا على استعداد دائم للتضحية في سبيل مبادئه وقناعاته”.