من اين ابدا وهل ما سأقوله سيفاجئكم ؟ ، هو سرٌ احتفظتُ به لخمس سنين، لدوافع عدة سأذكر أهمها في معرض سردي للأحداث التي مررتُ بها، وسأعرض عن بعضها الآخر لأسباب خاصة.
الآن وقد صار بإمكاني -أخيرا- أن أشارك نساء بلدي تجربتي المريرة والمليئة بالمطبات والعقبات والصراع مع المرض والإيمان بالله وبالقدر خيره وشره!
تجربتي التي كانت محفوفة بالمخاطر والخوف والرجاء من جهة ومليئة بقوة العزيمة والإرادة والاتكال على الله سبحانه وتعالى والإيمان بأن في هذه الحياة مايستحق أن يُعاش ويُصارع الإنسان من أجله من جهة اخرى.
تم تشخيص إصابتي بسرطان الثدي في منتصف سنة 2018، وكنت كأغلب الموريتانيين ليست لدَيّ ثقافة صحية كافية تجعلني جاهزة نفسيا لاستقباله، وليس لدي إلمام بأبعاده وطبعا تربيت في بيت يقول أهله "ذاكْ لْماسمينَ وذاكْ ليْحَيَيّدْ باسو! ويتْعَوذو منو!" وكان وقعه علي كبيرا ،
تأقلمت بسرعة مع ماكتب الله لي ورضيت بقضائه وقدره، تقبلته كابتلاء من الله يختبر فيه صبري وإيماني وكنت على يقين أن كل مايفعله الجليل فهو جميل، وإنه وإن بدا كارثيا مأساويا، فإنه لا محالة يحمل في طياته لي الكثير من الخير.
ثم بدأت في طريق النجاة وكانت أول فكرة عقدت العزم على تنفيذها هي إنشاء جمعية متخصصة في محاربة سرطان الثدي وعنق الرحم و بدأت في الترتيب لإنشاءها من خلال التعرف على المرض وعلاجه والتأقلم معه وبعده. وكانت منتصف 2019 هي نشأة جمعيتي والتي اخترت لها اسم "حياة" لأنها تعاش بالمرض وغيره مهما كانت الظروف!
وبعدها بدأت السياسة في تحديد الرئيس القادم (غزواني) والذي كان دعمي له من قبل ذلك....
أعلن ترشحه واعلنت انا مبادرة "وطنيون" الداعمة له ثم بدأت المبادرات الداعمه له في فرنسا تظهر، فاقترحت على فخامته ان بإمكاني توحيد صفوف الموريتانيين هنا في إطار واحد داعم له ينصهر فيه كل الموريتانيين من مختلف شرائحهم في منسقية موحدة لأول مرة! وكان لِرئيس المبادرات الداعمة حبيب ولد همت حينها الدور الأهم في إرشادي وتوجيهي لما يتناسب مع هذه التجربة وكنتُ حينها لاأزال في مرحلة العلاج.
نعم كنت أتابع جلسات العلاج وانتظم في المواعيد الطبية وفي نفس الوقت لله الحمد أمارس نشاطاتي السياسية والخيرية مابين جلسة و اخرى.
بعد ذلك بدأت في الترتيب للعمل الخيري النوعي للجمعية من خلال الفحص المبكر للكشف عن سرطان الثدي وعنق الرحم في موريتانيا والذي كان هو الأول من نوعه من خلال تحديد عمل جمعية خاصة بأكبر مسبب للوفيات في النساء وهو سرطان الثدي وعنق الرحم، كان ذلك 2020 ثم واصلتُ السير في طريق العمل الخيري مع علاج وتوعية غيري من خلال نشاطات الجمعية في الوطن وكانت لها بصمتها في مجال محاربة هذا المرض ولله الحمد.
بعد ذلك بسنة اي 2021 رأيت الواقع الحقيقي لانتشار السرطان في البلد فكنتُ أول من دعا إلى المطالبة بتوفير تأمين صحي شامل لمرضى السرطان في البلد فكانت فكرة إنشاء "المبادرة الوطنية للتكفل بمرضى السرطان" وقد تولدت الفكرة لدي عندما عاينتُ بنفسي حالات لبعض المصابين وقد توقف علاجهم أو تأخر لأن أصحابها لم يدفعوا مبلغ الحصص العلاجية وأغلب المصابين لا يجدون ما يدفعون به ثمن تلك الحصص.
واصلت عملي السياسي والخيري وكنت عضوا مؤسسا لأكبر كتلة شبابية في الخارج والداخل ( كتلة معا من أجل التغيير) والتي أُعلن عنها في العاشر من يوليو 2021 بقصر المؤتمرات وتضم قرابة 300 عضوا بين امريكا واوربا وكندا وافريقيا والخليج وايضا من داخل البلد وبعدها بسنة تم انتخابي لرئاستها وإلى الآن.
كنتُ أقوم بواجبي الوطني والإنساني، وأعمل وأنشط وأشارك في المشهد السياسي والخيري وانا في مختلف مراحل علاجي، تتجاذبني مشاعر متضاربة بين اليأس والأمل، بين الإحباط وعلو الهمة، تسلحتُ بالإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وكان رجائي فيه كبيرا ويقيني فيه عاليا..كان (السند) هو أكثر الداعمين لي لحظة التشخيص وحتى مختلف مراحل العلاج من شجعني ودعمني لأتجاوز صدمة المرض ، من كان له الفضل الأول بعد الله تعالى في كل ما استطعت تحقيقه تلك الفترة (… احفظ له ذالك ماحييت.
من أجل أمي:
بعد مضي خمس سنوات على تشخيص المرض قررت أن أرفع تحديا آخر حان وقت رفعه وهو إخبار أمي بأني كنت مصابة بهذا المرض، مجرد التفكير في ردة فعلها وتأثير صدمة الخبر عليها جعلني أتردد في إبلاغها، اتخيل جزعها وخوفها وحزنها عندما أبلغها بأني مصابة بالمرض الذي لا علاج له بالنسبة لها و هو ما جعلني أكتم الأمر عنها طوال هذه الفترة.
إن العقلية السائدة حول هذا المرض هي أكبر عائق أمام القضاء عليه، لقد كانت أمي ولا تزال وسوف تبقى هي قوتي ومصدر إلهامي، واعترف ان اخفائي عنها مرضي كان عاملا مشجعا لي على العلاج.. اخوتي واخواتي شدوا عضدي وكانوا العون لي بعد الله تعالى وقد طلبت منهم بإلحاح ان يكتموا الخبر عن أمي حتى أشفى منه واستطيع اخبارها بنفسي، كانو عونا لي (يحفظهم لي جميعا) كانوا معي في كل مراحله.
لقد كان الهدف الأول من وراء إنشاء جمعية "حياة " لمكافحة سرطان الثدي وعنق الرحم أثناء علاجي هو التوعية ومساعدة المصابات على تجاوز المرض بسلام والعبور منه الى ضفة الناجيات منه ثم التمهيد لتعريف أمي بالمرض عن قرب، ولترى امي وتسمع حالات شفيت وتعرف أن الحياة تُعاش معه وبعده وأن بالامكان التغلب عليه، حاولت طوال هذه السنوات ان أجعلها تجربة قوة لا مرض يهزم صاحبه.
شاركت في تكوينات في المجال وحصلت على عدة إفادات و أصبحت مُكونة على متابعة مراحل علاج المرض في أكبر المستشفيات الفرنسية Gustave Roussy و Hôpital Paul-Brousse
وانتسبت لأكبر جمعية لمحاربته في فرنسا وهي Ligue Contre le Cancer
وشاركت في اغلب اللقاءات مع المهتمين في مجال الصحة الأولية وتأهيل المصابين به بعد التعافي. أردت بذلك تقديم كل الدعم عن معرفة وتجربة شخصية تستفيد منها النساء الموريتانيات، وكان اخفاؤه عن امي هو اكبر دافع لما وصلت له من معرفة وتعايش وقبول لهذا المرض.
لم يعد يخيفني ولن يكون في نظري إلا مجرد مرض عادٍ مثل غيره يُشفى منه بالعلاج المناسب والتصميم على محاربته.
سعيت جاهدة لأن أكون ماعليه الآن، أن اخبر أمي بأنني شفيت و أنني استطعت ان اتجاوزه وانها كانت لي داعما ودافعا لأجلس أمامها واحدثها انني بخير و أن عليها ان لا تخاف منه، فلقد نجوت، وعشت به وقد كان دافعًا لي لأكون قوية وصابرة وراضية بما انا عليه الآن بحمد الله وعونه ورغبتي في ألا تحزن امي وان لا تشغل بالها باصابتي، و ان تبقى كما كانت تدعو لنا دوما وللمسلمين (يفكنا وايفكم من امراض آخر الزمان ) و أن لا تنام يوما وهي تحدث نفسها (هل ستشفى ابنتي ام ان هذا المرض سياخذها) العمر هو العمر يا أمي لاينقصه مرض ولا تزيده عافية كُتب كما هو، والموت نرجو ان يكون هو خير غائب ننتظره في رضا الله وعافيته بعد عمر طويل.
كان هذا مختصر تجربتي مع المرض، وقد صار بإبمكاني الآن أن أحث نساء وطني على ضرورة الوقاية وخطورة تأخر الكشف عن السرطان وأشجع المصابات وامنحهم القوة والإرادة من خلال التفاصيل التي عشتها لأن حديثي لهن كناجية ليس كحديث غيري!