الزهرة أنفو : مليارات ودعم سياسي وأمني أوربي لموريتانيا في مواجهة "زوارق الموت"
تظهر تصريحات الأمين العام لوزارة الداخلية في موريتانيا محفوظ ولد ابراهيم أن نواكشوط قررت الانتقال في علاقتها مع الأوربيين إلى مستوى تفاوضي أحسن مما كان سائدا، مستفيدة بذلك من تجارب متعددة اتخذت من ورقة المهاجرين وسيلة مهمة لابتزاز الأوربيين.
يخشى الأوربيون على مدنهم من الأمواج الإفريقية العابرة من الشواطئ وخصوصا عبر الضفاف الموريتانية.
وخلال شهر واحد، استقبلت جزر الكناري لوحدها على غير الاحتفاء والتقدير أكثر من 7.000 مهاجر، غير شرعي، من بينهم قرابة 5.500 قادمون من الضفة الموريتانية، من جنسيات إفريقية متعددة.
ولا يمكن تفسير هذا الحجم الكبير من حركة الهجرة غير الشرعية، دون القول إن موريتانيا لم تعد مستعدة لممارسة دور "حراسة الشواطئ "الأوربية دون تعامل مناسب من الجهة التي تخشى قوافل اللاجئين الأفارقة.
وفوق ذلك كشف الإحصاء الأخير للأجانب أن موريتانيا باتت مستقرا ومستودعا لعدد كبير من أبناء الجاليات الأفريقية، من ضمنهم على الأقل 150.000 لاجئ، من مالي يقيمون في مخيم امبرة وضواحيه بمقاطعة باسكنو، ولا يبدو أنهم سيعودون قريبا إلى وطنهم الملتهب.
وقبل أشهر قليلة اتخذت الجهات المانحة قرارا بتوقيف الدعم والعون اللاجئين الأزواديين، والعمل على دمج بعض البرامج الحيوية الموجهة إليهم في الالتزامات الموريتانية، وهو ما يعني مضاعفة الأعباء على هذا البلد الذي يواجه أزمات اقتصادية وتنموية، ويعيش أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر.
الأمين العام للداخلية.. لا نستفيد من دعم دولي كاف لمواجهة الهجرة
ووفق الأمين العام لوزارة الداخلية محفوظ ولد ابراهيم فإن موريتانيا لا تستفيد من الدعم الدولي المخصص لمحاربة الهجرة، بالقدر الذي يتناسب مع موقعها وجهودها ومع حجم المخاطر التي تواجهها، وهو ما دفعها إلى فتح مفاوضات "جدية وأخوية" مع الجهات الدولية المعنية بالهجرة"
ويظهر بجلاء أن موريتانيا وجدت نفسها في ظل مسارين صعبين، هجرة متفاقمة لشبابها نحو الولايات المتحدة، وهجرة متفاقمة نحو موريتانيا من شباب وأسر ونساء دول إفريقية متعددة.
وتضاعف هذه الهجرة الأخيرة الأعباء الأمنية بشكل خاص على موريتانيا، نظرا لانتشار الجريمة بين صفوف عدد من المهاجرين، إضافة إلى التأثير السلبي لعدد كبير منهم في الاقتصاديات غير المصنفة، كما يتهم عدد من هؤلاء في التورط في نشر المسكرات بين المراهقين الموريتانيين.
كما أن أمواج المهاجرين إلى أوربا حول موريتانيا منذ سنوات إلى بلد عبور لآلاف الشباب من منطقة شمال وغرب إفريقيا، التي تعاني من لهيب الحروب والنزاعات المسلحة، وانعدام فرص الحياة الكريمة، بسبب الجفاف وتقلب المناخ، وفشل السياسيات التنموية في بلدانهم، والحالمين بالفردوس الأوروبي الموعود.
فجسر روصو ـ الذي بدأ إنشاؤه مؤخرا ـ رغم أن له منافع كثيرة لأنه الطريق البري الأكثر أمانا بين شمال إفريقيا وغربها ووسطها نظرا للحروب التي تشهدها المنطقة وبالتالي يمكن أن يستجلب الاستثمارات وينعش الاقتصاد.
إلا أنه يفرض ضغطا على الجهاز الأمني لأنه المنفذ الوحيد الآمن بين غرب افريقيا وأوربا، فهو سيخلق كذلك إشكالات أمنية تتعلق بالعابرين عليه وبالتأكيد فالحكومة مطالبة بتأمينه كما تؤمن بقية الحدود.
في السنوات الأخيرة لم تعد موريتانيا بلد عبور فقط، بل أصبحت بلد إقامة دائمة أو مؤقتة لعشرات آلاف اللاجئين كذلك، حيث يقيم مثلا في منطقة "امبره" بضاحية باسكنو، أكثر من مائة وخمسين ألف لاجئ مالي، نزحوا من بلادهم بسبب الحرب والنزاعات المسلحة، وفي معظم المدن الموريتانية الكبيرة خاصة نواكشوط ونواذيبو، يقيم آلاف اللاجئين الذين يعمل البعض منهم في مهن حرة بسيطة، بهدف توفير ما تطلبه عصابات التهريب والتهجير عبر البحر إلى أوروبا.
مطر من الملايين..
وفق صحف إسبانية وأوربية عديدة فقد استقبلت موريتانيا مطرا من الملايين، وذلك عبر سلسلة من الوعود أعلن عنها الوزير الأول الإسباني، ورئيسة المفوضية الأوربية خلال لقائهم بالرئيس الموريتاني وكبار معاونيه وشملت هذه الوعود:
- تقديم 210 مليون أورو لدعم جهود موريتانيا لمواجهة الهجرة غير الشرعية
- 40 مليون أورو لدعم قطاع الأمن الموريتاني
- 300 مليون أورو دعم إسباني لموريتانيا، سيتم تقديمها في مشاريع استثمارية متنوعة على مدى خمس سنوات.
وإضافة إلى هذا ستقوم إسبانيا بزيادة طواقمها الأمنية العاملة في مجال الهجرة السرية ودعم خفر السواحل الموريتاني.
نار الهجرة تحرق أوروبا.. الحلول اقتصادية وسياسية..
يقتحم آلاف المهاجرين كل أسبوع السواحل الإيطالية واليونانية والتركية من الدول الإفريقية وبمجرد دخولهم إلى الأراضي الأوروبية، فإنهم لا يريدون المغادرة أبدًا، وبالتالي، وفقًا لبيانات الأعوام السابقة فإن أقل من 40% من المهاجرين الذين تلقوا أوامر الطرد يغادرون أوروبا فعليًا.
لذلك أعلن الاتحاد الأوروبي في العام 2016 خطة مارشال لمكافحة الهجرة غير الشرعية من أفريقيا، وأكد قادة الاتحاد ضرورة تعبئة ما يقرب من 44 مليار يورو لتنمية اقتصادات البلدان المرسلة للمهاجرين، وقد فهم الأوروبيون إلى أن عليهم الاختيار بين الاستثمار والمعاناة.
وهكذا اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا باختيار الاستثمار بدل المعاناة، ففي 14 سبتمبر من العام 2019، أعلن عن خطة تنموية طموحة للقارة الأفريقية والجوار المباشر لأوروبا.
وقد أثمرت سياسة الاستثمار في تقليص جزئي للنزوح الإفريقي إلى أوربا، حيث تراجع عدد العابرين من المغرب إلى إسبانيا، وفي المقابل ارتفع عدد النازحين من شواطئ تركيا إلى ألمانيا خلال السنوات الأربعة الأخيرة
إن الأوربيين بشكل خاص يريدون "حراس الشواطئ" الذين يمنعون عنهم توافد قوارب المهاجرين، ومن أجل ذلك لم يعد من حل سوى التعامل المباشر ودعم الحراس، خصوصا أن "الحارس الجائع" لا يمكنه التصدي للمتسللين.
ماذا بعد الاتفاق
يمثل هذا الاتفاق ثاني اتفاق جدي بين موريتانيا والأوربيين بعد اتفاق الصيد البحري، قبل 10 سنوات، والذي أداره رئيس البرلمان السابق الشيخ ولد باي ومكن موريتانيا من تحصيل مكاسب اقتصادية متنوعة.
يمكن القول إن موريتانيا حققت من خلال هذا الاتفاق مكاسب نوعية، وأنها أخيرا "أرغمت من خلال زوارق المهاجرين" الأوربيين على الانتقال إليها لمفاوضتها والتعامل المباشر معها، بعد سنوات من سياسة الإملاءات.
كما أن استخدام ورقة الهجرة السرية لمفاوضة الأوربيين تحول منذ عقد على الأقل إلى نقطة قوية نوعية بيد القوى الدولية الشاطئية وخصوصا المغرب وتركيا اللتين انتزعتا من الاتحاد الأوربي مبالغ معتبرة، ففي العام 2022 قدمت أوربا 500 مليون أورو للمغرب من أجل مساعدتها على مواجهة الهجرة السرية، وأدى هذا الدعم إلى تخفيف نسبي للساعين إلى الوصول إلى أوربا كما أدى إلى تثبيت آلاف منهم في المغرب، حيث حصلوا على إقامات قانونية، وانطلقوا في مسار عملي مكنهم من الاندماج في وتيرة الاقتصاد المغربي و"كف شرورهم" عن أروبا
وفي السياق نفسه تمكنت تركيا من إبرام اتفاقيات متعددة من دول أوربية من أجل منع الهجرة غير الشرعية، وبمقابل مادي وسياسي كبير حصلت عليه أنقره.
وأمام موريتانيا بشكل خاص عقبات متعددة من أبرزها:
تحدي قدراتها الأمنية: رغم ما راكمته من تجربة خلال السنوات المنصرمة، وهو ما يتطلب منها تعزيز قدرات خفر السواحل والأجهزة الأمنية المختصة لمواجهة الهجرة
لقد سمحت سيطرة موريتانيا المتزايدة على حدودها البرية الطويلة والصعبة ومجالها البحري، من التحكم بعض الشيء في مجريات هذه الظاهرة، وإنقاذ الكثير من الأرواح وإعادة الآلاف من هؤلاء الشباب إلى بلدانهم الأصلية أو بلدان المغادرة، وتفكيك شبكات كثيرة لتهريب المهاجرين والتغرير بهم واعتقالها وعرضها أمام المحاكم المختصة في موريتانيا، وهي شبكات ينشط فيها أجانب أساسا.
ويتطلب الأمر – على غرار المغرب وتركيا ودول أخرى- أن تتعزز قدرات خفر السواحل الموريتانية، من خلال تزويدها بمعدات جديدة مثل طائرات المراقبة، وزوارق الإنقاذ والأقمار الصناعية، وهو ما سيكون كفيلا بالرفع من مستوى كفاءة هذا القطاع البالغ الأهمية.
منافسة اليد الأجنية: للعمال الموريتانيين في قطاعات النقل والبناء ومختلف المهن الحرة، وهي المنافسة التي ستزداد مع الزمن إذا تم تنفيذ سياسة "الاستيعاب الجزئي للاجئين"
وبين هذا وذاك، يمكن القول إن موريتانيا حققت نجاحا نسبيا في الحصول على مقابل للدور المطلوب منها لحراسة الضفاف الأوربية و"طرد الضوال" عنها.