الزهرة أنفو : الملخص
يقدم المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، في حلقة اليوم نظرية لبناء دولة قوية لها أسس وقواعد راسخة من خلال رؤية مفكر وتجربة رجل دولة، وهو المزيج الذي يجعل تطبيق النظرية وحصاد نتائجها أمراً محققاً، فيقول إن المنهج الإلهي يعتمد على إصلاح الإنسان كونه الأساس في بناء الدولة اعتماداً على منهج “إذا صلح الفرد صلح المجتمع”.
ويؤكد الكاتب أهمية وضع القادة العرب المنهاج الإلهي للأخلاق الإنسانية في المعاملات والعلاقات الاجتماعية، وأن يراعي كل فرد تطبيق مبادئه في السلوك الحياتي الشامل، سواء في محيط العمل أو الأسرة أو الدراسة.
اقرأ أيضا: الشرفاء الحمادي :هل يتحقق في العام الجديد الاطمئنان للناس دون خوف وفزع وبغي وطغيان؟
ويكمل الشرفاء حديثه قائلاً إن تطبيق المنهاج الإلهي يجعلنا أعظم الأمم، ثم يتحدث الكاتب عن أسباب فشل الأنظمة السابقة فيقول إنهم “لم يدركوا حكمة العبادات ويؤمنوا بالتشريعات الإلهية، بل انساقوا وراء الخلافات والصراع والفرقة التي أسست لها الروايات التي فرقتهم شيعًا وأحزابًا، فكان القتال والصراع والفرقة والهوان والضعف واقعهم”.
ثم يتحدث الشرفاء عن محور آخر من محاور الفشل فيقول: “للأسف فشل المسلمون الأوائل في تكوين نظام حكم يعتمد على قيم الرحمة والعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان”. ويختتم الشرفاء حديثه مطالباً القادة العرب بالتشاور مع الأمناء والوطنيين وإتاحة الفرصة لإبداء الرأي دون خوف وبكل وضوح… التفاصيل في السياق التالي.
التفاصيل
منهج بناء الدولة
يتحدث المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في افتتاحية العدد الجديد من مجلة “العرب” (عدد يناير 2025)، عن نظرية بناء الدولة القوية المستقرة، فيقول: “نظرية الدولة وفق التشريع الإلهي في القرآن المجيد تعتمد على منهج (إذا صلح الفرد صلح المجتمع)، مما يعني أن الله سبحانه اقتضت حكمته في البدء بتربية النشء على تعليمهم تطبيق المنهاج الإلهي الذي يؤسس لديهم قيم الأخلاق القرآنية وصفات المؤمنين التي ذكرها القرآن في آيات الذكر الحكيم، ليصحح لدى الأفراد سلوكياتهم لتتوافق مع الأخلاق السامية، كما وصف الله رسوله عليه السلام: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم (٤)، وكما خاطب رسوله بالرحمة في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً للعالمين) الأنبياء (١٠٧).
منهج الأخلاق الإنسانية
ويواصل الشرفاء حديثه قائلاً: “إذا نجح القادة في وضع المنهاج الإلهي للأخلاق الإنسانية في المعاملات والعلاقات الاجتماعية، ومراعاة كل فرد بتطبيق مبادئ المنهاج الإلهي في سلوكياته وممارساته في علاقاته الاجتماعية في كل موقع أثناء الدراسة وأثناء العمل وخلال تنفيذ مسؤولياته الوظيفية وعلاقاته الأسرية، متمسكاً في معاملاته وفي حياته في مختلف المواقع والوظائف بالرحمة والعدل والإحسان والمساواة واحترام حقوق الإنسان والتسامح والعفو والمغفرة لكل تصرف غير مقصود ومعاملة الناس جميعاً بالحسنى والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان، والابتعاد عن الظلم بكل أشكاله، وحمل الأمانة بكل إخلاص وصدق، والابتعاد عن الظن السيئ، وإعطاء الحقوق لأصحاب الحق”.
دستور يعظم الأخلاق القرآنية
ويوضح الشرفاء أن الأخلاق القرآنية تجمع الناس وتؤلف بين قلوبهم وترسخ وحدتهم، فيقول: “تلك بعض الأخلاق القرآنية وصفات المؤمنين التي تجمع الناس على قلب واحد وتعتصم بكتاب الله المبين، ولو نجحت المجتمعات في إعادة صياغة شخصية المسلم وسلوكه وفق المنهاج الإلهي لأصبحت أعظم أمة متقدمة تقود الإنسانية كلها لتعمير المدينة الفاضلة، ومن أولئك الذين نشأوا وتدربوا على المنهاج الإلهي تتكون المجتمعات والشعوب والدول، وعندما يتمتع القادة بتلك الصفات، تصبح الشعوب الإسلامية في مصاف الشعوب المتقدمة والنامية، تتحقق فيها الرحمة والعدل والاستقرار، ويعيش الناس معًا إخوةً متحابين ومتعاونين وكلهم ينتمون إلى مجتمع متماسك يشد بعضه بعضًا، وتتخذ الدول الإسلامية دستورها معتمدًا على القيم القرآنية المذكور بعضها أعلاه، فلا فِرق متناحرة، ولا أحزاب متصارعة، فالكل يعمل وِفق منظومة الأخلاق القرآنية، حيث تأتي الأخلاق في مقدمة العبادات، والله جعل العبادات وسيلة الوصول إلى الأخلاق الحميدة، فيكون المجتمع في معاملات أفراده يتبعون دستورًا واحدًا أساسه القرآن الكريم”.
غياب حكمة العبادات
وعن سبب التراجع الذي أصاب أمة الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الشرفاء الحمادي: “لذلك فشلت محاولات تأسيس أنظمة الحكم منذ وفاة الرسول عليه السلام، لأن من خلفه لم يدركوا حكمة العبادات ويؤمنوا بالتشريعات الإلهية؛ سواء تشريع العبادات وحكمتها، وتشريع المحرمات لتحصين المسلم من الوقوع في الذنوب والمعاصي، وتطبيق تشريع النواهي، واتباع المنهاج الإلهي في سلوكياتهم، ففشلوا في إنشاء مجتمعات تربت أفرادها على التشريعات الإلهية حتى يومنا هذا”.
خداع المسلمين بالروايات
ويواصل الشرفاء الحديث عن أسباب التراجع والفشل في بناء دولة قوية، فيقول: “قد استطاع أولياء الشيطان أن يخدعوا المسلمين بروايات التزوير على الرسول، مما جعلهم يهجرون الدستور الإلهي، وتاهوا بين الروايات التي فرقتهم شيعًا وأحزابًا، يقتل بعضهم بعضًا للمصالح الدنيوية والصراع على السلطة، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وضلوا الطريق المستقيم فتكالبت عليهم الأمم فاحتلت أوطانهم، ونهبت ثرواتهم، واستباحت سيادتهم، وشردوا كثيرًا من السكان يهيمون في الأرض يبحثون عن ملجأ آمن، كل ذلك لأنهم انصرفوا عن خريطة طريق الهدى التي رسمها الله لهم لتحقق لهم الأمن والاستقرار والعزة والمتعة والسلام”.
غياب قيم الرحمة والعدل والحرية
وعن غياب الرحمة والعدل والحرية في الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول، يقول الشرفاء الحمادي: “للأسف فشل المسلمون الأوائل في تكوين نظام حكم يعتمد على قيم الرحمة والعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان، كما أمرهم الله بعد أن دخلوا في دين الإسلام باتباع كتابه، كما خاطبهم بقوله: (ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۗ)، خالفوا أمر الله واتبعوا أولياء الشيطان، وأسقطوا شعلة النور التي تضيء لهم طريق الحياة الطيبة الآمنة والمستقرة والعادلة، وما زالوا غارقين في ظلام دامس، فضاعوا وغرقوا في مختلف المشاكل والأزمات نتيجة لتخليهم عن كتاب ربهم الذي لو اتبعوا شرعة الله ومنهاجه لخرجوا من الظلمات إلى النور”.
الفرد هو لبنة بناء المجتمع
ويعود الشرفاء الحمادي للحديث عن الأساس المتين في تكوين الدولة، فيقول: “إن الفرد اللبنة الأولى لتكوين المجتمع، وإذا تمت تربية الأفراد وفق المنهاج الإلهي الأخلاقي والقيم النبيلة، يستطيع المجتمع أن يؤسس بهم مجتمع الرحمة والعدالة، ويَخرج منهم قادة متفانون في خدمة أوطانهم دون استعلاء ولا مِنَّة أو تكبُّر، ويشترك الجميع في رسم خريطة المستقبل لهم ولأجياله بواسطة التشاور والمصارحة التي تستهدف بناء وطن يحقق التكافل بين كل المواطنين، مما يحقق مصلحة الجميع، ويكون المشرفون على خطة المستقبل في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية أكثر حرصًا وأمانةً وانفتاحًا مع القادة في إبداء الرأي الأمين بكل وضوح دون خوف أو إرهاب، مما يتيح أن يتشاور الجميع بكل المصداقية في تحقيق آمال المجتمع بالحرية والعدالة والمساواة، ويشعر جميع المعنيين بإدارة سياسة التنمية بالأمانة أمام الله قبل أن تكون أمام القائد، وأن يكون الحوار بينهم فيما يتعلق بمستقبل المجتمع دون نفاق أو خوف، فكلهم أعضاء في فريق متساوٍ في المسؤولية لتحقيق أمنيات المجتمع”.
اختيار البذرة الصالحة
ويضرب الشرفاء الحمادي مثالاً عن أهمية بناء الإنسان لبناء الدولة، فيقول: “مثال، إذا اختار المزارع البذرة الممتازة لمزرعته ومراعاتها بمكافحة الحشرات وتأمين الأسمدة الجيدة، ينتج من ذلك أن تكون الزراعات على أعلى مستوى من الجودة، وتكون محصلة الحصاد من حيث النوع والكم والتميز قد تحقق بالفوز في العوائد المالية، ويكون نجاح الموسم الزراعي قد حقق أهدافه، ذلك مثل تربية الفرد تربية صالحة لتكون محصلة الجهد في الرعاية والعناية بالفرد في المجتمع تعطي نتائج إيجابية تحقق خطط التنمية وترتقي بمستوى المعيشة من حيث الطمأنينة والسكينة والاستقرار والتقدم والازدهار، ويكون مستقبل الأجيال في أيدي أمينة تعمل بكل الأمانة والإخلاص، تحقق ضمان استمرارية التطور لمصلحة المجتمع، وتؤمِّن حقوق الأجيال القادمة والله يدعو الجميع للتعاون على البر والتقوى”.
نتائج التعاون على البر والتقوى
ويختتم الشرفاء الحمادي حديثه قائلًا: “وإذا لم يتحقق التعاون الذي أمر الله به المسلم تحدث الكوارث والأزمات ويختل النظام في المجتمع، وقد تنهار الدولة وتكون عُرضة للفساد والبغي والطغيان، وتختفي من الخريطة كما اختفت في الماضي دول كثيرة ضاعت معالمها، وقيمت حدودها وأصبحت أثرًا بعد حين”.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
FacebookWhatsAppMessengerTwitterViberCopy LinkEmailPartager