اللص العادي واللص السياسي: حين تُسرق المحفظة... وحين تُسرق الأوطان / نوح محمد محمود

أربعاء, 15/10/2025 - 18:23

في حياة الشعوب، كما في حياة الأفراد، يوجد نوعان من اللصوص الأول لص تقليدي، يترصدك في زقاق مظلم، يسلبك محفظتك، يسرق مالك، هاتفك، أشياءك الخاصة، وربما لحظة فرح عابرة كنت تعلق بها أملك. 
أما الثاني، فهو لص من نوع آخر، أخطر وأدهى إنه اللص السياسي، ذلك الذي لا يأتيك متخفيًا، بل يظهر أمامك في هيئة مسؤول، ومدير يتحدث تارة باسم الشعب ويدّعي خدمته، بينما هو ينهب أحلامه في وضح النهار، يسرق مستقبله، ويبعثر ثرواته، ويبدد فرص نهوضه، في هدوء قاتل، دون أن يترك وراءه سوى خيبة أمل وطنية.
في موريتانيا، لا يحتاج المرء إلى الكثير من التأمل حتى يُدرك أيّ النوعين كان أضرّ بهذا البلد. فكم من مشروع تنموي حُرم منه المواطن البسيط بسبب مسؤول خان الأمانة؟ وكم من طريق بقي حبرا على ورق ومدرسة بقيت جدرانًا بلا مقاعد ولا كتب، ومستشفى بلا دواء ولا أطباء، لأن لصوص السياسة اختاروا جيوبهم بدل الوطن؟.
لقد كشفت تقارير محكمة الحسابات الأخيرة، ومعها تقارير سابقة من مفتشية الدولة وهيئات رقابية أخرى، عن مستوى من الفساد والنهب وسوء التسيير لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة مكتملة الأركان ضد طموحات الموريتانيين، وهي ليست أرقامًا جافة، بل ترجمة لأحلام ضائعة، وشباب بلا فرص، ومواطنين يكافحون في مواجهة ظروف كان بالإمكان تجاوزها لو أن المال العام وُجّه كما يجب.
غير أن الأمل لم ينطفئ. فاليوم، يعلّق الشعب آماله على رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، رجل الدولة الذي وعد وأكد مرارًا أن لا أحد فوق القانون، وأن الحرب على الفساد ستكون حربًا لا هوادة فيها، فالناس تنتظر منه روح الشجاعة، لا لملاحقة اللصوص الصغار فقط، بل لمواجهة اللصوص الكبار، أولئك الذين سرقوا ثقة الشعب قبل أن يسرقوا موارده.
إن الشعب الموريتاني لا يطلب المعجزات، بل فقط يريد أن تُستعاد أمواله، وأن يُحاسب من سرقها، وأن لا يُغطى على أحد مهما كان اسمه أو منصبه، إنها لحظة اختبار حقيقية للدولة، لمدى جدية الإرادة السياسية، ولمدى الإيمان بأن الأوطان لا تُبنى إلا حين نضع الفاسدين حيث يجب أن يكونوا: أمام العدالة.