تتنافس القنوات الفضائية في الحديث عن قضايا المرأة السعودية. حال تنطبق على أغلبية قضايا المجتمع السعودي. هناك ميل كبير لدى وسائل الإعلام لإبراز قضايانا لأسباب عديدة. من أهم الأسباب حجم الاقتصاد السعودي، فالمملكة تعيش طفرة اقتصادية كبيرة أدخلتها ضمن مجموعة العشرين الاقتصادية. قضية الاقتصاد تزيد جاذبية المجتمع، من نواحي التسويق والإعلان والاستهداف بشكل عام. لدى المواطن قدرة شرائية كبيرة، وهو لا يتراجع عن قرارات الشراء، بل إن نمو الواردات السعودية حقق قفزات كبيرة من 156 مليار ريال في عام 2003 إلى 583 مليار في عام 2012. بمعدل يتجاوز 15 في المائة سنوياً، وهو رقم خيالي يمكن من خلاله تبرير حجم الإنفاق الكبير ''رغم ارتفاع الأسعار''. مع هذه الزيادة في الواردات، ارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 1236 مليون ريال. هذه الأرقام تجعل السوق السعودية جاذبة للغاية. يستدعي الدخول إلى السوق التعرف على توجهات المجتمع وأفكاره وعاداته الاستهلاكية، وأسلوب تعامل المجتمع مع مختلف فئاته، وغيرها من النقاط المهمة لخبراء التسويق. هذا دفع الكثير من الشركات والدول إلى العمل على تكوين صورة واضحة عن المجتمع السعودي، في محاولة دخول السوق، والحصول على حصة من حجم الإنفاق الهائل. أذكر هنا أن من أهم عوامل البحث في المجتمع السعودي، التي أدت إلى كثرة المراقبين أن المملكة ذات خصوصية فريدة اجتماعياً، فبخلاف الدولة العثمانية لم تقع المملكة تحت الاستعمار، وهو ما جعل المجتمع السعودي محافظاً بشكل يعتبر غريباً على أكثر المراقبين حتى من الدول العربية القريبة منا. نشر الاستعمار مجموعة من القيم والسلوكيات، وجعل منها مزايا للنخبة في المجتمع، هذا دفع الكثير من مواطني الدول الواقعة تحت الاستعمار لتبني مفاهيم وسلوكيات وأعراف المستعمر. يضاف إلى ذلك أن القيم فقدت الكثير من معناها بسبب الاختلاف الدائم بين العلماء الذين يمثلون المذاهب والاتجاهات الدينية، فأصبح الاختلاف البسيط في فهم النصوص، وسيلة لإبعاد المجتمعات عن بعضها وتوليد صراعات لم تكن مبررة. تستمر هذه الصراعات بين العلماء حتى اليوم لتفاقم حجم التباعد بين المجتمعات الإسلامية. كانت قضايا المرأة، وما زالت جزءاً من الخلاف الجوهري بين المجتمع السعودي والمجتمعات البعيدة، حتى المجاورة للمملكة. على أن قضايا المرأة ميزت التطور الذي مرت به المجتمعات في الغرب والشرق. ولا تزال قضايا المرأة تحتل عناوين الصحف والبرامج في أغلبية دول العالم. يقف وراء هذا الزخم الكبير حالة من عدم التوازن بين، وداخل المجتمعات في بحثها عن تحديد دور محدد لكل عنصر في المجتمع بعيداً عن الخصوصية التي أوجدها الخالق - سبحانه وتعالى - لكل من الرجل والمرأة حيوياً ونفسياً. هذا التهافت على قضايا المرأة في كل مكان، كان لا بد أن ينتج عنه وضع المرأة في السعودية تحت المجهر. التركيز على قضايا المرأة في المملكة نتيجة للفروق الموجودة بين المجتمعات، ولكونها عنصراً أساسياً في الأسرة. هذا العنصر هو مجال تسويق الكثير من الخدمات والسلع. لكنه مع الوقت أصبح قضية في ذاته لأنه لا يتماشى مع الكثير من الأطروحات الموجودة في المجتمعات الغربية أو المستغربة. تأتي في مقدمة القضايا، قضية تعدد الزوجات. فرغم شرعيتها، إلا أن الكثير ممن يجادلون في الأمر لم يتطرقوا لقضايا أخلاقية تزخر بها المجتمعات ذات الهوية والقيم المختلفة، ومن أهمها ما يقول عنه الليبراليون ''حق المعاشرة المفتوح''. يرى هؤلاء أنه يمكن للزوج أن يعاشر من يشاء دون أن يتزوج، هل عرفتم إلى أين تصل قضية مثل هذه؟ تبقى قضية ''قيادة المرأة للسيارة'' واحدة من القضايا المفتوحة التي يُزج بها في كل نقاش يخص المرأة رغم أن النقاش حولها ضخَّمها بشكل عام المجتمع السعودي وكأنه من المجتمعات الغربية البحتة، وهذه حالة اعترض عليها الكثير من المهتمين بالقضايا الاجتماعية. يهتم المجتمع السعودي بحماية المرأة كجزء من تعاليم الدين، وهذا يوجب التخلص من قضايا من أهمها سكن المرأة وحدها بعيداً عن محارمها، ويلزم الأسرة بالمحافظة على تماسكها وحماية كل مكوناتها، كوظيفة أساسية للرجل. والنفخ في هذه القضية مستمر ولن يتوقف قريباً. أهم المشكلات، في رأيي، التحرش. هذا الموضوع الذي أصبح يُطرح ويُناقش ويُفسر ويُشرح بأشكال مختلفة أضاعت القضية الأساسية، وأدخلتنا في متاهات كثيرة. يتحدث كثيرون عن التحرش اللفظي ثم يناقشونه بطريقة تحيل الموضوع عن أصله إلى قضية فلسفية محضة. قرأت العديد من الكتابات عن الاعتراض على استخدام ألفاظ معينة أو تبريرات لقرارات تصدر من جهات تشارك في عضويتها المرأة، على شاكلة، سيسهم وجود المرأة في تمرير قرارات تخص الموضوع الفلاني. هذا التطرف في الطرح وتهويل أمور ليست بالمهمة، يُفقد القضية الأصل أهميتها ويبعدنا عن التعامل معها، فالتحرش اللفظي أبعد ما يكون عن مثال كهذا، بل إن هناك إشكالية حقيقية في مكان العمل بالنسبة لطريقة التعامل، والألفاظ المقبولة والتصريحات والتلميحات الملائمة عند تعامل الرجل والمرأة بغض النظر عمن يقترف التحرش. لأن المرأة يمكن أن تتحرش بالرجل، كذلك. هذا يطرح نقطة مهمة أخرى، وهي استغلال حاجة المرأة من قبل بعض المتنفِّذين، الذين لهم علاقة بتقدير احتياج المرأة إلى الدعم المادي في جهات عديدة. يقوم الكثير ممن يعملون في المجال بممارسة سلوكيات خطيرة من خلال استغلال حاجة المرأة، ووضعها الأسري، وعدم قدرتها على الإبلاغ عن التجاوزات التي قد تتعدى مجرد التحرش اللفظي بمراحل. ظهرت أخيرا مقولات تسوغ التحرش اللفظي كوسيلة لإبعاد المرأة عن وظائف معينة كالعمل ''كاشيرة''، المصيبة أن هذا الكلام يصدر عمن يدّعون أن لهم علاقة بالدين. فإلى أين يتجه هؤلاء؟ فهم حرموا مباحاً وأحلوا حراماً باسم الدين الذي هو من كل ذلك براء. يجب أن نركز على القضايا المهمة التي ستفقد أهميتها عندما نشغل أنفسنا، ونستمر في نقاش قضايا أقل خطورة وتأثيراً في حاضر المرأة ومستقبلها والمجتمع بكليته.
الاقتصاديه