.jpeg)
ظلت الكتابة الساخرة حقلا أدبيا ذكوريا، ليس على صعيد الأردن فقط، بل على الصعيد العربي أيضا، والكاتبات اللواتي اقتحمن هذا الحقل من أنواع الكتابة ظل عددهن محدودا، لاعتبارات عديدة، ربما تكون سمة المحافظة التي يتميز بها المجتمع العربي، هي السبب الرئيس في تردد الكاتبات على اقتحام هذا النوع من الكتابة التي تتميز بالسخرية الموجعة، أو اتجاه عدد آخر من الكاتبات للتخصص في أنواع أدبية أخرى، جعل من وجود المرأة الكاتبة ضعيف التأثير في ميدان الأدب الساخر.
القاصة والكاتبة جلنار زين، وبشهادة عدد من الكتاب والصحفيين والمهتمين، اقتحمت هذا المجال بخجل ملحوظ، خجل رافقه التردد أحيانا، لكن ما نشر من مقالاتها، وما استمع إليه الجمهور في أمسياتها من نصوص و»قفشات»، يشير إلى ولادة كاتبة تملك جانبا من إدارة لعبة الكتابة في مجالها الساخر، ويخرجها من دائرة التردد إلى دائرة المواجهة، ولو في حدودها الضيقة.
وحول غياب أو قلة الأسماء النسوية في ميدان الأدب الساخر ترى القاصة جلنار أن بعض الكاتبات قد يشعرن بالحرج الاجتماعي في خوض غمار تجربة الكتابة الساخرة، خوفاً من اهتزاز الصورة الوقورة التي رسمها المجتمع للمرأة في بلادنا، لكن ذلك لم يمنع بعض الكاتبات من خوض غمار هذه التجربة، وتقديم المقال الساخر بنجاح، سواء من كاتبات أردنيات أو عربيات.
وتضيف جلنار أن مواصفات المقال الناجح بسخريته ورسالته تختلف من كاتب لآخر، ومن كاتبة لأخرى، فنجد بعض الكتّاب يفضّلون الكتابة باللهجة المحكية لإيصال فكرة ما، بينما يعتبر آخرون أن ذلك يضعف المقال الساخر ويجعله ركيكاً، ما يدفعهم للتمسك باللغة الفصيحة، كميدان لتقديم سخريتهم الموجعة. وبشكل عام، تقول جلنار، إن على المقال الساخر الناجح أن يكون مواكباً للأحداث ومرتبطاً بواقع الناس، وأن يتناول همومهم ومشاكلهم، وأن لا يكون مُغرقاً في اللغة المحكية، وأن توضع الكلمات العامية –إن وجدت- بين حاصرتين وفي سياقها المناسب، وأن يأتي المقال بشيء جديد أو أن ينقل وجهة نظر معينة، وأن يكون مختصراً مكثفاً قدر الإمكان.
لكنها في الوقت ذاته تعترف أن الكتابة الساخرة هي من أكثر الفنون الأدبية انتشاراً ونمواً، وبالرغم من عدم وجود تعريف محدد لها على وجه الدقة، لكن يمكن القول بأن الكتابة الساخرة هي كتابة تعرض الألم والمواقف الحياتية والاجتماعية والسياسية بشيء من السخرية والإسقاطات الكوميدية، (من فئة الكوميديا السوداء عادة)، وشيء من الغموض والرمزية، وينطبق عليها المثل الدارج: «يرش على الموت سكر..!»،
وتستغرب جلنار من أن البعض يرى – ومنهم بعض الأدباء والنقاد للأسف- بأن الكتابة الساخرة أقلّ شأناً من غيرها من الفنون الأدبية، والبعض «حتى ممن يمارسون الكتابة الساخرة» يعتقدون بأنها «للإضحاك والتضحيك» فقط، بينما هي في الحقيقة تعالج الكثير من المشاكل الاجتماعية والقضايا السياسية بشكل لطيف محبب، وأحيانا بشكل وخز موجع.
الدستور
