دأبت الطبقة السياسية وعناصر تقديمها للآخر وجنود الدفاع عنها وعملاء الترويج لها علي الهجوم العنيف علي الخصوم لعل الهجوم يقضي عليهم فيوفر عناء طول المواجهة أو حتي لا يقوى الخصم علي تنظيم هجوم مضاد قد يقوده إلي النصر أو علي الأقل إلي الحفاظ علي مواقعه وتحصينها وعلي الرغم من أن هذه الإستراتيجية قديمة الإنتاج لم توفق يوما في تحقيق الغاية منها
إلا أنها مع ذالك لاتزال رائجة وهواتها كُثر بين جنود الفرقاء وحتي داخل عناصر الفريق نفسه ولم تحقق سياسة الإستنزاف الأعمى هذه إلا مزيدا من الإصطفاف وهدر الطاقات الحية وإلهاء قوي الإنتاج بأوهام الصراع العبثي العائق الأكبر لضمان حياد القوى الحية المنتجة وإخراجها من خنادق الساسة وأطماع طلاب السلطة أو أصحابها والمؤسف حقا أنه بالكاد تعثر في العرض الوفير علي من شذ عن هذه اللعنة إلا من رحم رب السماء وهم قلة قد ذهب بهم النأي بالنفس إلى الذوبان داخل المجتمع المبعد أوالبعيد من مآذن ومنابر التأثير لذالك مالم تُراجع نُخبنا وسائل مواجهاتها العبثية علي كل الجبهات وداخل كل الخلايا اليقظة والنائمة سيستمر المجتمع في إنتاج وقود نار تأكل الجهد والزمن وتجذر الخلافات وتقضي علي النهوض كما تقضي علي إمكانية الإكتفاء الذاتي في مجال الوسائل والإنتاج.
من حق الجميع أن يعيش في وطنه آمنا مطئنا ومشاركا في معركة نموه وتأمينه وفرضه علي الجميع كقطاء جامع مانع ضامن للحرية موفر للعدل ولكن بالتي هي أحسن فماحققناه معا في نصف قرن من الزمن يكاد يكون في جانبه المعنوي إعادة إنتاج وتطوير هرطقات وإمعان في التمايز أعاق تجربتنا المشتركة تحت مظلة الوطن الواحد بعد أن أرغمتنا الجغرافيا والتاريخ علي أن نهجر المضارب والربوع والحقول ونصطف في مساحات ضيقة كي نتمكن من تركيز وتكثيف جهودنا وابعاد الخطر المحدق والتمتع بالأمن بعد ما أنهكنا الخوف والضياع والتشتت فالفرصة ستبقى متوفرة مادمنا قاردين علي الحفاظ علي الوطن ككيان يحمي مميزاتنا ويبرر إندفاعنا لتأمينه وتطوير وسائل رفاهيتنا داخله وعلي الذين فضلوا مواصلة الحروب بالتهكم والطعن في التاريج والتشفي من الجغرافيا أن يقيِموا حصاد السنتهم فهي وسيلة إنتاجهم الوحيدة وقد وظفوها في مالا ينفع ولا يضروقد أتاحت لهم إستمرارية الحياة فرصة التغيير والتوبة فالوطن بحاجة إلي كل جهد والواقع يحتم علي الجميع حسن الرفض وحسن القبول و تحكيم الضمير والتعامل مع الواقع المفروض حتي وإن كان مرفوضا