يقول أحد الرجال المعروفين بالصدق والتثبّت في أحد الاحياء بالمدينة وهو يروي قصة من أغرب القصص وأكثرها إثارة وعجبا , يقول :
كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الصلاةَ فيه شيخٌ كبير في السن قضى حياته كلَّها في العبادة والدعوة الى الله وتعليم الناس ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم , وقد لاحظ هذا الإمام ان عدد المصلين بدأ يتناقص.. منذ بعض الوقت , حيث كان مهتما بالجميع ويسأل عنهم ويشعر أنهم أولاده.
ذات يوم التفتَ الشيخ الى المصلين وقال لهم : ما بال أكثر الناس, خاصة الشباب ما عادوا يقربون المسجد ولا يعرفونه؟؟
فأجابه المصلون : إنهم في المراقص والملاهي منذ انتشارها في المدينة.
قال الشيخ: المراقص!!وما المراقص؟؟
فقال أحد المصلين:
المرقص يا شيخ عبارة عن صالة كبيره فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات وهن يرقصن والناس حولهن ينظرون اليهن ويصفقون ويتمايلون.
قال الشيخ: أعوذ بالله..وهؤلاء الذين ينظرون اليهن مسلمون؟؟ قالوا : نعم
فقال الشيخ بكل براءة : لا حول ولا قوة الا بالله .. يجب ان ننصح الناس..
قالوا : يا شيخ أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص …؟
فقال : نعم..ثم نهض من المسجد وهو يقول : هيا بنا الى المرقص.
حاولوا أن يثنوه عن عزمه , وأخبروه انه سيواجَهُ بالسخرية والا ستهزاء وقد يناله الاذى..فقال :
وهل نحن خير من محمد صلى الله عليه وسلم , فقد ناله من الاذى الكثير والكثير؟؟
ثم أمسك الشيخ بيد أحد المصلين وقال : دُلّني على المرقص..
فلما رآهم صاحب المرقص من بعيد ظنّ انهم ذاهبون لدرس او محاضرة ,فلما أقبلوا عليه تعجب!!! ولما توجهوا الى باب المرقص سألهم :
ماذا تريدون؟ قال الشيخ : نريد ان ننصح مَن في المرقص..
تعجب صاحب المرقص وأخذ ينظر اليهم ثم اعتذر عن قبول طلبهم .
فأخذ الشيخ يساومه ويُذكره بالثواب العظيم لكنه أبى
فأخذ الشيخ يساومه بالمال كي يأذن لهم حتى دفعوا له مبلغا من المال يعادل دخله اليومي..
فوافق صاحب المرقص وطلب منهم ان يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي.
فلما كان يوم الغد والشباب والفتيات في المرقص وقاعة المسرح تعج بالمنكرات , وشياطين الإنس والجن تحف بالناس وتصفق لهم .. واذا بستارة المسرح تفتح فجأة...وشيخ وقور يجلس على كرسي ..فوق الخشبة ...دُهش الناس وتعجبوا!!!
ظن البعض في بادئ الامر أنها فقره فكاهية..
بدأ الشيخ بالبسملة والحمد لله والثناء عليه , وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام ثم بدأ في وعظ الناس..
نظر الناس بعضهم الى بعض , والقوم في هرَج ومرَج.. منهم مَن يضحك ومنهم من ينتقد , ومنهم من يعلق بسخرية والشيخ ماض في دعوته لا يلتفت اليهم..حتى قام احد الحضور وأسكتَ الناس وطلب منهم الانصات ..بدأ الهدوء يحيط بالقاعة , والسكينة تنزل على القلوب حتى هدأت الاصوات فلا تسمع الا صوت الشيخ
قال كلاما ما سمعوه من قبل : آيات تهز الجبال وأحاديث وأمثال ..ثم تحدث عن توبة بعض العصاة وبدأت دموعه تتهاطل على خديه ولحيته وهو يقول : ايها الناس انكم عشتم طويلا وعصيتم الله كثيرا ..فأين ذهبت لذة المعصية ؟؟ لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف السوداء ستسألون عنها يوم القيامة.. سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء الا الله الواحد القهار.... ايها الناس هل نظرتم الى أعمالكم واين ستؤدي بكم؟؟
انكم لا تتحملون النار في الدنيا وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم فبادروا بالتوبة قبل فوات الاوان …ايها الناس ماذا فعل الله بكم حتى تواجهوه بالعصيان ؟؟ اليس خيره عليكم نازل وشركم اليه صاعد؟؟ يتحبب اليكم بالنِّعَم وتتبغّضون اليه بالمعاصي!! وبدأ الشيخ متأثرا وهو يعظ الناس , وكانت كلماته قد خرجت من القلب فوصلت الى القلب... بكى الناس فزاد في موعظته.
ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة وهم يرددون : آمين..آمين... ثم قام من على كرسيه تُجلله المهابة والوقار وخرج الجميع وراءه وكانت توبتهم على يده وعرفوا سر وجودهم في الحياة وما تغني عنهم الراقصات واللذات اذا تطايرت الصحف وكبرت السيئات ..وحتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه…
أليس لنا في هذا الشيخ الجليل أسوة حسنة..فلنكن دائما دعاة الى الله في كل زمان ومكان وحال...