يبدو أن التاريخ حقَّاً يُعيد نفسه، أو على الأقل في المسألة الفلسطينية، هذا ما تُشير إليه الوقائع على الأرض، والتي تشبه إلى حد بعيد المرحلة التي سبقت ما قبل اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
فجوة كبيرة ما بين رؤية القيادة الفلسطينية ورؤية بعض الدول العربية المحورية، بل هي أبعد من ذلك، حتى أنها قد تصل إلى مرحلة اختلاف جذري في الأولويات والتفكير فيما يخص القضية الفلسطينية والعدو الذي ربما لم يعد مُشتركاً (إسرائيل).
تطبيع عربي علني تشهده هذه الأيام الساحة الإقليمية، وزيارات رسمية إسرائيلية إلى دول خليجية لم تحدث منذ ما يقارب الـ25 عاماً، في توقيت حرج للغاية تعيشه القيادة الفلسطينية في كظل الضغوطات التي تُمارس عليها لقبول التحركات الأمريكية الممهدة لما باتَ يُعرف إعلامياً بصفقة القرن.
أداة أمريكية
المحلل السياسي جهاد حرب قال في تصريحات خاصة لـ (شاشة نيوز) إن التطبيع العربي العلني والزيارات الإسرائيلية الرسمية التي تمت وربما تتكرر لقيادات إسرائيلية إلى دول خليجية وعربية هو بهدف الضغط على القيادة الفلسطينية ودفعها للقبول بالطرح الأمريكي.
وقال إن هذه التحركات الخليجية الإسرائيلية هي إداة من الادوات الأمريكية في المنطقة.
وأضاف أن البديل الوحيد أمام القيادة الفلسطينية حالياً هو الاستمرار في المراهنة على المجتمع الدولي والسعي للحصول على مزيد من الاعتراف الدولي بفلسطين، وتفعيل دور دول مركزية مثل روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا للعب دور محوري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مخاوف فلسطينية
وبين الدول العربية جميعاً لا تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية كاملة سوى مع الأردن ومصر. وترتبط الدوحة بعلاقات غير رسميّة مع كل من الدولة العبرية وغريمتها اللدودة إيران. وتتشارك قطر مع إيران بحقل غاز. وكان هناك مكتب تمثيل تجاري إسرائيلي في الدوحة حتى عام 2000.
وتقدّم الدوحة أيضا مساعدات إنسانية ووقوداً إلى قطاع غزّة المحاصر من إسرائيل. وكان وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي قال الجمعة في مؤتمر في المنامة إنّ الوقت قد يكون "حان لمعاملة إسرائيل بالمثل كغيرها من دول الشرق الأوسط" في تصريح دعمته البحرين.
وأثار موقف سلطنة عمان مخاوف لدى الفلسطينيين مما وصفه المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية محمد اشتية بـ "بدء التطبيع العلني ونهاية مبادرة السلام العربية" التي ولدت عام 2002.
وتنصّ مبادرة السلام العربية على إقامة علاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلّتها عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
عدوّ مشترك
وبحسب تقارير فإن دول الخليج تجري، منذ عقود، محادثات سريّة مع إسرائيل، على الأقلّ منذ الثمانينات. ولكن القادة العرب لم يُقدموا من قبل على الإعلان عن هذه المحادثات خوفاً من غضب شعوبهم بسبب مواقفها المؤيّدة القضية الفلسطينية.
غير أنّ انسجام السياسات مؤخّراً بين الدولة العبرية وهذه الدول العربية، خاصة في ما يتعلّق بإيران، قد يكون شجّع الطرفين على الإعلان عن هذه المحادثات، لا سيّما مع سعي إسرائيل لمنع طهران من تعزيز وجودها في سوريا حيث تدعم الجمهورية الإسلامية قوات الرئيس بشّار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة هناك.
وتقول إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية إنّ "انسجام السياسات يجعلهم أكثر تقارباً، إن لم تكن (هذه الدول) معاً أساساً".
وتقود إسرائيل حملة دبلوماسية علنيّة للتقرّب من دول الخليج، عبر سلطنة عُمان والإمارات، حيث يخيّم قلق مشترك من سياسات إيران، ما يثير مخاوف الفلسطينيين من تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية من دون إيجاد حلّ لقضيّتهم.
وقام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل أيام بزيارة رسميّة لم يعلن عنها مسبقاً إلى سلطنة عُمان التي لا تربطها علاقات دبلوماسية بالدولة العبرية، والتقى خلالها السلطان قابوس بن سعيد.
وبعدها بأيّام، زارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية المثيرة للجدل ميري ريغيف مسجد الشيخ زايد في أبوظبي بينما ألقى وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا خطاباً في مؤتمر في إمارة دبي، كما تمّ عزف النشيد الوطني الإسرائيلي بحضور ريغيف في بطولة عالمية للجودو في العاصمة الإماراتية.
ومع أنّ حملة التودّد التي تقودها إسرائيل في الخليج تأتي بعد جهود طويلة، يرى محلّلون أنّ الخلاف بين إيران من جهة والولايات المتحدة والخليج وإسرائيل من جهة أخرى، دفع هذه المحادثات قدماً لتصل إلى مستوى علني غير مسبوق.
شاشة نيوز