هل أنتَ من رعيةِ دولةٍ، الحاكمُ فيها هو الخادم لشعبه، القائدُ له نحو المستقبل، الحاكم الراعي، الساهر على طعامه، وشرابه، وصحته، شعارُه الرئيس: «تحقيقُ السعادة، والرفاه، والتقدم لشعبه»؟
أم أنت من دولةٍ، حاكمُها سيدٌ لشعبه، باطشٌ برعيتِه، يعتبرُ مواطنيه أعوادَ حطبٍ لإنضاج طعامه وطعام أبنائه ومقربيه، شعارُه الرئيس: «جوِّع شعبَك يتبعْك، وسمِّنْه يأكلْك» يخافُ شعبَه، أكثر مما يخاف أعداءه؟!
هل أنتَ من وطنٍ يجلس فيه الرعيةُ فوق عرش الراعي، راعٍ يسعى لوحدتهم، لا تشغله صورُهُ على الجُدران، ولا يعتبر زخرفتها في الشوارع، وفي المؤسسات العامة شرطاً رئيساً من شروط الولاء للوطن، يسعد بصوره المكنونة في صدور رعيته، لا تُطربه ألقاب الفخامة، والجلالة، والمعالي، والسمو، والرفعة، والنيافة، والفضيلة ؟!
أم أنتّ من بلدٍ غايةُ حاكمها أن يضع الزمامَ في أعناق رعيته، يُنيمهم مهمومين، فقراءَ، مكتئبين، يحوك لهم الدسائس لينشقوا، ثم ينشغلوا بنزاعاتهم ليجد الفرصة ليهنأ بالمكاسب والمغانم، ويتحول من عدوهم اللدود إلى قاضيهم وحاكمهم الودود؟!
هل أنتَ من رعيةِ دولةٍ تُسخِّر مواردها البشرية والطبيعية لإنتاج المستقبل، وتستقطب الكفاءات من كل أنحاء العالم، وتمنحهم فرص الحياة الكريمة ليبدعوا، ويتقدموا، ويسعدوا؟
أم أنت تعيشُ في وطنٍ كلُّ آمالِه وطموحه الرجوع للخلف، يعيد إنتاج شعراء المدح في الولاة، والسلاطين، والحكام، والوزراء، يعتبرُ الإبداعَ والتفوق ضلالةً، ينفي المبدعين، لأنهم عقبة في طريق الانحدار إلى الماضي السحيق؟!
هل تعيش في وطنٍ يشعرُ فيه الفردُ بأنه عجلةٌ في ترس الوطن، يحافظ عليه، كما يحافظ على أبنائه، يُسارع لنجدة الوطن وقت الخطر، يبذل في سبيله كلَّ غالٍ، يفتخر به في الحل والترحال؟
أم تحيا في وطنٍ، تخجل أن تذكر اسمه في الغربة والترحال، وطنٍ تَعُدُّ نفسَك فيه زائداً على حاجته، تنتقم منه بتخريبه، وتسعد بدماره، تهرب من سداد ضرائبه والتزاماته، تعتبر هذا الهروب شطارة، وذكاء، وحنكة، ودهاءً، تتمنى أن تستيقظ ذات صباح على وقعِ زلزال مدمِّر يبتلع الوطن بأسره، تهرب إذا استدعاك في وقت الشدة؟!
هل أنت في بلدٍ يحتضنك طفلاً رضيعاً، يُربيك شاباً يافعاً، يتعهد بإسعادك رجلاً قوياً، ويشملك برعايته كهلاً عجوزاً؟
أم أنت من وطنٍ يعُدُّ ساكنيه كمّاً بالأرقام، يكبحُ طموح شبابه خوفاً من تمردهم، يقهر رجاله الأقوياء رعباً من منافسة الحاكم، يسجن منتقديه، يُعذب مبدعيه، يتخلى عن أبنائه حين يشيخون ويُهرمون؟!!
إذا كنتَ تحيا في أوطان الأمل التي تفخرُ بانتمائك لها، وتعتزُّ بإنجازاتها المادية والمعنوية، وتحملها في قرارة نفسك معشوقةً أبدية، فأنتَ إذن، تعيش في (الوطن)!
أما إذا كنت تعيش في بلدٍ، يُجبرك أن تحيا داخل حقيبة سفرك، فأنت إذن، تعيش في موقعٍ جُغرافيٍ مُحنَّط، أطلقتْ عليه الكتبُ المدرسية الرسمية، والإذاعاتُ المحلية خطأً اسم، (الوطن)!!
بقلم: توفيق أبو شومر