بقلم: هاني حبيب
يشكل سقوط مشروع نيكي هايلي، المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة في تحقيق انتصار شخصي بدرجة ما، على حساب القضية الفلسطينية، فشلاً ذريعاً لمسيرتها الحاقدة طوال فترة خدمتها في الأمم المتحدة، وصفعةً قوية للسياسة الأميركية، بشكل عام وعلى ملف الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني على وجه الخصوص، إلاّ أن هذا السقوط وهذا الفشل يفرض علينا قراءة دقيقة لنتائج هذا التصويت. وفي هذا السياق، نعتقد أن بالإمكان تسجيل ملاحظات عديدة.
وتبدأ هذه الملاحظات، مع نيكي هايلي صاحبة المشروع، خاصة فيما يتعلق بتزامن طرحها له للتصويت في الجمعية العامة، باعتبار أن ذلك يرتبط بقرب مغادرتها منصبها بعد أيام، وأن هذا المشروع، الذي راهنت على نجاحه في التمرير من قبل الجمعية العامة، تختتم من خلاله مسيرتها في الأمم المتحدة، سيعطي بذلك، فرصةً إضافية لتسجيل مدى ولائها للدولة العبرية، إلاّ اننا لن نتوقف ملياً أمام هذا التزامن، مع صحته، لكي نشير إلى أن هذا التزامن يرتبط بمفارقة لا بد من التوقف عندها، ذلك أن عملية التصويت على مشروع القرار لإدانة حركة حماس وإدانة الكفاح الفلسطيني المسلح وكافة أشكال المقاومة، تمت في نفس الليلة التي تم إدخال ملايين الدولارات القطرية إلى حركة حماس، بموافقة المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل، ففي الوقت الذي تمرر فيه دولة الاحتلال هذه الملايين لحماس، تقوم هايلي بطرح مشروع إدانة حركة حماس بالارهاب، ما يشير بكل وضوح وصفاقة، إلى أن هايلي تتجاوز الرؤية الإسرائيلية للحركة بكثير، وهي في اندفاعها لدعم إسرائيل إنما لا تدرك كيفية التعامل مع لعبة السياسة، وهذا ما سنسجله في الملاحظة التالية، فرغم ما قيل عن حنكة وذكاء هايلي في المجال السياسي، فإنها لم تفطن إلى عملية إجرائية وفقاً للوائح الجمعية العامة، فهي ربما ضمنت التصويت لصالح مشروعها بالاغلبية البسيطة، ظناً منها أن أسلوب الابتزاز للدول الفقيرة وتهديدها بقطع المعونات المالية عنها، إنما تضمن بذلك التصويت لصالح مشروعها، وغاب عن ذكاء هايلي، ما لم يغب عن المندوب الكويتي الذي تحدث نيابة عن المجموعة العربية، بضرورة التصويت على هذا المشروع بثلثي الأصوات، وليس بالأغلبية البسيطة كما اعتقدت هايلي، وهكذا سقط مشروعها في النهاية، دلالة على أن كل ما يقال عن خبرتها وذكائها، مجردُ هراء لا أكثر!
أما الملاحظة الثالثة، فتتعلق بالدعم الأوروبي لمشروع هايلي، هناك موقف للاتحاد الأوروبي سابق للمشروع، بإدانة حركة حماس، إلاّ ان الاتحاد الأوروبي، في بداية الأمر، اعتبر مشروع هايلي غير متوازن من حيث عدم نصه على ضرورة التمسك بمرجعيات عملية السلام وحل الدولتين وقرارات مجلس الأمن السابقة، ودعم الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودعوة الطرفين إلى عدم استهداف المدنيين والأهداف المدنية، وبالفعل تقدم الاتحاد بهذه التعديلات، إلاّ أنها رُفضت من قبل هايلي، وتم القبول بتعديلات طفيفة لم تغير من جوهر المشروع، وهنا لا بد من تسجيل ذلك، باعتباره تراجعاً واضحاً عن موقف الاتحاد الأوروبي، والتحاقاً بالموقف الأميركي على حساب موقفه فيما يتعلق بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وبعودة مندوب الكويت، نيابة عن المجموعة العربية، إلى اللوائح الإجرائية للجمعية العامة، تم تسجيل السقوط المبكر لمشروع هايلي، لكن الملاحظة لا تكمن في ذلك، بل في انقسام عربي ظهر أثناء كلمات المندوبين، ونقصد هنا، تقدم السعودية بكلمة نيابة عن كل من الإمارات والبحرين واليمن، مع أن هناك كلمة للمجموعة العربية ألقاها المندوب الكويتي نيابة عنها، والخلاف تضمّن تبايناً في الموقف، ما كان له أن يظهر في سياق مناقشة المشروع الأميركي، مع أن كافة الدول العربية صوتت ضد المشروع!
والملاحَظ، أيضاً، تلك الصفعة الإضافية للسياسة الأميركية بعد فشل مشروعها، بفوز المشروع الذي تقدمت به جمهورية ايرلندا، في نفس الليلة، والداعي الى التمسك بخيار حل الدولتين على حدود 1967، كما التمسك بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قرار مجلس الأمن 2334 بحصوله على 156 صوتاً، والذي يشكل رداً مباشراً على المشروع الأميركي من ناحية، ورداً قوياً على ادعاء نتنياهو بأن التصويت، رغم فشل المشروع الأميركي، كان لصالح إسرائيل.
إلاّ أن الملاحظة الأَوْلَى بالاهتمام، تلك المتعلقة بالموقف الفلسطيني الموحد رسمياً وفصائلياً وشعبياً، والدور الذي قامت به الدبلوماسية الفلسطينية للوقوف مجدداً أمام الاستهداف الأميركي ـ الإسرائيلي لإدانة حركة حماس، والتأكيد مجدداً على الحاضنة الرسمية لكل مكونات الشعب الفلسطيني، مهما كانت هناك خلافات فيما بينها، باعتبار أن التناقض الأساسي والجوهري هو أولاً وأخيراً مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يجب أن يفرض على كل هذه المكونات، خاصة حركة حماس لالتقاط هذه اللحظة السياسية المهمة، للتوجه نحو استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية!