بعد تجربة شخصية قررت في 1996 أن يكون حبي وانتمائي وولائي للوطن وأن تتلخص علاقتي بالحاكم في نصحي له مباشرة من خلال أداء الوظيفة بإخلاص أو عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية بغض النظر عن أهمية تلك الوظيفة وموقعها في السلم الإداري.
وبالمناسبة أذكر بملاحظة لدى مراقبين للشأن العام مفادها أن الولاء للوطن يعني بالنسبة للكثيرين من الموريتانيين امتلاك الأوراق المدنية الثبوتية والمتمثلة في شهادة ميلاد وجنسية وبطاقة تعريف أو جواز سفر في الوقت الذي يشمل هذا المفهوم:
أ) حب الوطن وهو شعور فطري لا يملك فيه العقل قرارا وهو الشعور الذي يتحرك لا إراديا مجرد رؤية قائد البلد أو علمه أو سماع النشيد الوطني’ ومن أبسط تجليات ذلك الشعور ذرف الدموع تأثرا بملامسة تلك الرموز؛
ب) الانتماء للوطن وهو من الأمور التي للعقل فيها تدخل ويعبر عنه بالافتخار بالوطن وبالسلوك الإيجابي نحوه مثل احترام القوانين والحفاظ على الممتلكات العمومية والمكتسبات الوطنية والسعي في رفع شأن الوطن والاستعداد الدائم للتضحية من أجله بالغالي والنفيس؛
د) الولاء للوطن وهو ولاء يحكمه الضمير من خلال صدق التعامل مع الوطن ومع ما يقدمه لشعبه وعدم تحميله ما لا يحتمل من ظلم وتجنٍ، ويختزل في تحقيق المواطنة الحقّة والولاء التام غير المشروط للوطن كما يقال " إن أعظم صور الولاء والانتماء للوطن هو الالتفاف الكامل وغير المشروط حول قيادة الوطن، والثقة الكاملة بحكمتها في إدارة الأمور والأزمات والعواصف التي تحيط بها، وعدم الانصياع وراء أصحاب الفتن والأهواء ومثيري الفتن والقلاقل ممن يسعون في الأرض فسادا".
أما نصحي للحكم فمعناه أولا أنني لا أعارض أي حكم مهما دار فلكه وجار عمله وثانيا أنني لا أدعمه على باطل ولا أقبل أن أكون أحد السيوف التي يسلطها النظام في بعض الحالات على رقاب المواطنين بغير حق ولا أن أكون من أبواقه التي تغير إخفاقاته إلى إنجازات ومنجزات ولا ممن يضخمون الإنجازات خوفا من العقاب أو طمعا في ما يقدمه الحكام والأحكام من خدمات مادية ومعنوية على رأسها التعيين في المناصب من أبسطها إلى أعلاها.
ومن النصح للحاكم أيضا أن أقوم بالعمل الذي كلفت به على أحسن وجه في حال امتلاك القرار أو أن أعطي رأيا فنيا مجردا لإنارة طريق من يرأسني في السلم الإداري ليوفق في اتخاذ القرار الصائب ومنه أيضا أن أقدم نصحي عن طريق وسائل نقل المعلومة ونشرها كالجرائد والمواقع الالكترونية والراديو والتلفزيون...إلخ.
ذالكم باقتصار شديد مفهوم ولائي للوطن ونصحي للحاكم وإليكم بالمناسبة نصح موجه أولا للرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو أن يهيئ الجو العام الداخلي لتحضير الانتخابات الرئاسية القادمة على الرغم من قصر المدة التي تفصلنا عن التاريخ المقرر قانونيا لتنظيمها؛فإذا كان الوقت لم يسمح بتنظيم حوار شامل فيمكن لقاء ممثلين عن الطبقة السياسة الفاعلة وعن منظمات المجتمع وغيرهم وذلك من أجل إعادة النظر في كلما يضمن مصداقية العملية الانتخابية: النصوص واللوائح الانتخابية واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والتمويل والمراقبون المحليون والأجانب...إلخ.
أما مرشحو هذه الرئاسيات والفائز فيها فأنصحهم على السواء بجملة من النقاط قد تصنف بأنها كليات تحتاج إلى شرح وتفصيل وتبيان أتركها للأكاديميين وممتهني السياسة تخصصا أو حرفة للعيش أو وسيلة للوصول إلى مناصب تمكن من تنفيذ مشاريع مجتمعية يؤمنون بها ويرغبون فعلا في تحقيق أهدافها خدمة للوطن والموطنين.
ثانيا على أي مرشح لمنصب رئيس الجمهورية:
أن يعترف بالجميل للرئيس محمد ولد عبد العزيز على ما حققه في العشرية الماضية من إنجازات تحس من خلال انعكاساتها الإيجابية أو ترى بالعين المجردة أو ساهمت في الرفع من قيمة موريتانيا وفي تبوئها مكانة جديدة إقليميا ودوليا كما عليه أيضا أن لا ينس المشاريع الضخمة التي تم إطلاقها وسيكون لتنفيذها إن شاء الله الأثر الإيجابي على حياة الوطن والمواطنين؛
أن ينسى ويتناسى كل ما شاع وذاع في الساحة السياسية منذ تشكيل اللجنة السياسية المكلفة بإصلاح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مرورا بمبادرات الأفراد والجماعات الداعية إلى المأمورية الثالثة، بما فيها حراك النواب’ وانتهاء بما أعطي للبيان الرئاسي الذي أو قف الجدل بهذا الخصوص من تفسيرات وبما يروج له كذلك هذه الأيام من وجود مرشح للأغلبية إلى جانب مرشح للمؤسسة العسكرية ومن وأيادي خفية ستسعى لتوجيه الأغلبية وغيرها لدعمه من تحت الأرض.
أن يتذكر ويذكر الموريتانيين أن دور الجهات الأربع (الشمال والجنوب والشرق والغرب) في حياة البشرية عامة والمسلمين خاصة لا يقل أهمية عن دور الأهلة كمواقيت للناس وأن ما من دولة في الأرض إلا وتستعمل في تحديد أذواقها وأشياء أخرى هامة في حياتها اللون الأبيض والأسود وباقي الألوان التي حددها علم الفيزياء واستفادت منها الإنسانية تفاهما وتناغما لا تنافرا وتعارضا؛
أن يعتمد هذه المبادئ من ضمن أسس خطاب حملته المقبلة ومشروعه المجتمعي الذي سيحويه برنامجه الانتخابي الموجه للموريتانيين والموريتانيات من أجل كسب ثقتهم والحصول على أصواتهم يوم الاقتراع؛
أن يدرك أهمية مواصفات الأشخاص الذين سيتولون الحملة الرئاسية ويمثلون واجهة قد تنبئ بالنسبة للكثيرين بالطبقة التي ستتولى شؤون البلد مستقبلا.
ثالثا على الحاكم القادم لموريتانيا الحبيبة:
بدء مأموريته بتنظيم حوار شامل بغية جر جميع القوى الوطنية إلى المساهمة الفعالة في المرحلة القادمة بغض النظر عن الفائز والخاسر وعن الموالي والمعارض والمستقل المراقب عادة للأحداث دون التأثير فيها سلبا أو إيجابا؛
الاستعداد لمواجهة الفترة ما بين 2019 و2022 بالحكمة وجعل الشعب يتفهم الإصلاحات التي قد يقام بها في السنوات الأولى من الحكم والتي قد تمس مصالح بعض الناس أو تتأخر نتائجها الإيجابية بالنسبة للقاعدة العريضة من الشعب كما عليه أن يجعل الجميع يصبر على قلة التمويل المحتملة إذا لم يطرأ دعم خاص من جهة ما تخفف من الاعتماد على الضرائب التي قد يغيظ اسمرار فعلها السيئ غضب وردة فعل مباغتة من لن جهات تعودت الصمت في السابق؛
القيام بإصلاحات تظهر جليا خصوصية الحكم وأساليب تلفت انتباه الشعب وتخلق لديه أمالا جديدة وثقة أكبر في الدولة عموما وفي مؤسساتها الخدمية خاصة مثلما فعل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عند ما نجح في جعل ناخبيه من الشعب ينسون الرئيس السابق معاوية وطريقته في الحكم التي تميزت أساسا بأسلوب توزيع للثروة يعتمد عدم استقرار حكوماته والمحاصصة غير المعلنة واستشراء الفساد المالي من هرم السلطة إلى أقل مستوى في السلم الإداري.
اعتماد سياسة إعلامية مصاحبة للإصلاحات وقادرة على إعادة التعلق ب "شرف ـ إخاء ـ عدل" رغم ما عرفه البلد وأهله منذ الاستقلال من هزات سببها أمم قد خلت أو رجال غيبهم الموت وغيره وغاب مع الجميع ذنب ما اقترفوه؛ كما يجب أن تنفذ تلك السياسة تحت شعار "لا تزر وازرة وزر أخرى" و"الوطن للجميع " وبجرأة تجعل القائمين على السياسة الإعلامية يبينون كل أسباب تلك الهزات وآثارها الموجودة بنزاهة أي دون طمس للحقيقة أو تفخيم ثم تقديم معالجات تخلق الأمل في إزالة أسباب ما تم تشخيصه بالسيئ ليزول بذلك المسبب.
وفيما يتعلق بالإصلاحات المطلوبة فإني أطلب ممن سيمنحه الموريتانيون ثقتهم في الانتخابات الرئاسية لهذه السنة أن يحل مشكلة الدستور نهائيا حني لا نسمع بقية هذا القرن عن المطالبة بتغيير ولو كان يمس مادة واحدة أو شطرها.
ونأمل منه أيضا تطوير مفهوم "دولة المؤسسات" نظريا وتطبيقيا بحيث يصبح تغيير رأس الدولة لا يمس المبادئ الكبرى للدولة وبالتالي يصبح تأثير التناوب السلمي على السلطة محدودا على التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى سير المؤسسات ومستقبل مسيريها المهني.
وبهذه المناسبة لا بد أن أشير إلى بعض التفاصيل ومنها:
ـ تقوية العلاقة بين الحكومة والحزب المنبثقة عنه وكتلة هذا الأخير في البرلمان على أن تتم تلك العلاقة القوية طبقا للنصوص القانونية والأعراف السياسية؛
ـ ضرورة التفكير في هيكلة دائمة للدولة تجنبنا للعملية المتكررة المتعلقة باستحداث قطاعات واختفاء أخرى دون مبررات كما يقول بعض المختصين؛ ويجرني هذا إلى اقتراح فصل الداخلية عن كل مجال آخر وإعادة النظر في علاقتها بالحرس وبالشرطة وأخيرا تحديد مواصفات من يجب أن يتولى تسيير هذه الوزارة في صيغتها الجديدة؛
ـ تحصين سلك موظفي الوظيفة العمومية عبر احترام نظمه حتى يقتصر تولي بعض الوظائف على أفراده كما يجب بالمقابل تحديد ظروف خاصة لأنواع التوظيف الأخرى من خارج الوظيفة العمومية ومنها استحداث "علاوة للبطالة" يستفيد منها حملة الشهادات.
ولا يمكني أن أنسى المطالبة باستكمال عملية إرساء الأسس الضرورية لدولة القانون التي تتناسب مع إرثنا الحضاري وواقعنا المعاش وتطلعاتنا المستقبلية في مسايرة عالم نريد أن نلعب فيه دورا فعالا على قاعدة الأخذ والعطاء في الاتجاهين.
وبناء على ما تقدم وإيمانا مني بأن المؤسسة العسكرية هي الحزب الوحيد الذي يتم فيه التناوب على السلطة بصفة سلسة ومنتظمة وبأنها أيضا هي القبيلة الوحيدة المتماسكة رغم الانتماءات العرقية المختلفة لأفرادها فإنني أطرح عليكم للاستفتاء الاعتراف العلني بالدور السياسي لقواتنا المسلحة وقوات أمننا عبر إسناد حقيبتي الدفاع والداخلية لها.