لقد قلت وكتبت على الدوام أن موريتانيا ولدت خـَـلـْـقيا هشة. فقبل استقلالها أوجعها الجيرانُ ضربًا، وبعد استقلالها أوجعها أبناؤها. لم تعد فرنسا هنا لتقول لجيراننا ما قال لهم الجنرال ديغول: "ستكون هناك دولة ذات سيادة على التراب الموريتاني وداخل الحدود الحالية التي نضمن حمايتها". إنها حاضرة من خلال تعاونها، لكنني لا أعتقد أنها ستتدخل لتسحبنا من وَحَلٍ جعلنا أنفسَنا نغوص فيه. لقد تدخلت فرنسا في مالي لأسباب جيوستراتيجية تتعلق بمصالحها في مجموعة الدول المجاورة لذلك البلد. إن لكل شخص حظه من قراءة ما قاله وزير الخارجية الفرنسي أمام الجمعية الوطنية بخصوص الحضور الفرنسي في الساحل وفي دول إفريقية أخرى.
على مدى السنوات العشر الأخيرة وضعت موريتانيا، تدريجيا، آلية أمنية لمكافحة الإرهاب لا سبيل إلى إنكار آثارها الإيجابية. في البداية، ثمة هجمات ضد حاميات عسكرية، وثمة انتحاريون في سيارات محشوّة بالمتفجرات: في مدينة النعمه، وفي العاصمة انواكشوط. بعد مناوشة الإرهابيين والاشتباك معهم في شمال مالي، أصبحنا، ولله الحمد، نعيش في أمان داخل حدودنا. إن علينا أن نحافظ على هذا المكسب بكل ما أوتينا من قوة، وأن نعمل على اتساع نطاقه لأن الوضع في الساحل يتدهور يوما بعد يوم. الجنرال اكليمان-بولى الذي أمضى عديدَ السنوات في إفريقيا، قال في لقاء مع إذاعة فرنسا الدولية: "مع الإرهاب والمذابح الطائفية، يجب أن نتوقع السقوط في درك الجحيم إذا لم نصحح، على عجل، استراتيجية إعادة انتشارنا في هذه البلدان".
حسب الخبراء، فإن الإرهابيين اعتمدوا منهجا خطيرا يتمثل في تهييج من استمالوهم لإثارة المشاحنات بين الطوائف وذبح مواطنيهم بغية إضعاف الدولة المركزية وقوات أمنها. والواقع أن هذه الطريقة البشعة بدأت تنتشر في كل هذه البلدان، وبإمكانها أن تقود إلى صوملة بعضها.
نعم، لا شك أن محاربة الإرهاب تعدّ أولوية، غير أنه علينا أن لا ننسى أن النزاع في الصحراء بقي دون حل على بعد 50 كلم من حدودنا الشمالية. ففي كل شهر توجد هناك توترات بين المتنازعين تكاد الأمم المتحدة لا تحتويها.
إنني رجل ليبرالي، أتمنى أن تحصل بلادي على الكثير من الاستثمارات القادرة على التخفيف من وطأة البطالة والفقر، والقادرة على منح مصادر إضافية لإسعاد السكان. في السنوات القادمة سنمتلك الغاز، ومن المحتمل جدا أننا سنمتلك النفط. هذان المصدران يمثلان رهانات كبيرة على المستوى الدولي. وإذا لم يتم تسييرهما بالشكل المطلوب فإنهما سيمثلان خطرا على البلاد. إن علينا أن نحتاط لذلك من هذه اللحظة. كما يتوجب علينا أن نضع استراتيجيات مناسبة للأمن، وللتحكم التقني في الملفات، وللتسيير الشفاف للمداخيل.
لا أنتمي لأي حزب سياسي أو جماعة ضغط سلطوي أو مالي. ولا أحد يمكنه أن يقول بأنه رآني على شاشة إحدى القنوات، أو سمعني على أثير إحدى الإذاعات، أو لمحني في مهرجان أو أية تظاهرة عامة أو في حملة سياسية. إن أجيالا أخرى هي المتكفلة اليوم بالبلاد، وهي منحدرة من كل أعراق وولايات موريتانيا. بعض هذه الأجيال عايشتُ ميلادها، وبعضهم إخوة وأقارب، وبعضهم منحدر من أسر موريتانية أعرفها. إنهم شباب موريتانيون، من الجنسين، مكوّنون تكوينا جيدا، أتمنى لهم النجاح والتوفيق. لقد قمت بواجبي، الحسن أو السيء، وأنهيت مشواري السياسي والإداري. ووحده الله الحَكَم. إن علينا أن لا نسد الطريق أمام هذه الأجيال، لأن لديهم الحق في السعي إلى المشاركة في بناء البلد وامتلاك نفس الطموح الذي كان عندنا في سنهم. والحقيقة أن الشرف كان للمرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد بإشراكهم، على نطاق واسع، في حملته.
يحدث لي تارة، كمواطن حر، أن أكتب رأيي حول بعض القضايا الوطنية كالانتخابات الجارية التي يعتبر رهانها مصيرا للبلاد. تلك هي الحقيقة بما يمليه عليّ ضميري. فبدون استقرار وأمن لن تكون هناك أية تنمية محلية أو أي استثمار أجنبي. أنظروا في بؤس سكان آدرار خلال السنوات العشر الفارطة عندما توقف تدفق السياح بسبب غياب الأمن. قارنوهم بوضعهم اليوم عندما عاد السياح.
لن أقدم إلا هذا المثال ضمن عديد الأمثلة الأخرى. هل تعتقدون، في مجال الاستثمارات، أن مؤسسات بريتيش بتروليوم وكوسموس وتازيازت كان بوسعها أن تستثمر المليارات في مشاريع لمدى عشرين سنة لو لم يكن هنالك أمن؟.
إذا تكلمتُ عن محمد ولد الشيخ محمد أحمد كخيار مناطه العقل، فإن لي مسوغاتي. في الحالات التي يكون فيها مصير بلدي على الواجهة، أتغاضى عن كل الاعتبارات غير الموضوعية لأن المصلحة العليا لبلادي هي مدعاة وجودي. لقد منع الرجل اجتياح بلادنا على مدى 10 أو 12 سنة أمضاها قائدا لجيوشنا وقوات أمننا والعقل المدبر للاستراتيجية الأمنية التي وضعت حدا نهائيا لنزوات الإرهاب ومهربي المخدرات ومحتجزي الرهائن.
لقد أصبح الجيش مؤسسة محترمة بتميزها في كل مجال إضافة إلى دمقرطتها الداخلية: العمليات العسكرية، الصحة العسكرية، المستشفى العسكري، مراكز صحية جهوية، التكوين، الهندسة العسكرية: المباني، المياه، الطرق، الجسور، قنوات الري، التعليم العسكري، مدرسة الامتياز، معهد اللغات، الكليات، المدارس المتخصصة.
المرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد رجل كامل، وفي كل هذه الورشات أخذ في الحسبان الحاضر والمدى المتوسط والمدى البعيد. لقد وضع مع الأوربيين والأمريكيين وحلف شمال الأطلسي والبلدان العربية والإفريقية مخططات للتعاون في كل الميادين.
وإذا كان هذا الرجل الدقيق والقادر على التوقع يريد نقل تجربته العسكرية إلى جميع القطاعات في حياتنا الوطنية، بأن يصبح رئيسا للجمهورية، فعندئذ سيكون لدينا بلد مؤَمّن وفعال في كل المجالات.
يونيو 2019