خطر الأموال غير المشروعة والتدابير القانونية من خلال القانون الموريتاني (الحلقة الخامسة)

خميس, 26/09/2024 - 14:13

الزهرة أنفو : تعد الأموال غير المشروعة من أبرز ما يهدد المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في أي دولة، وقد بدأت هذه الظاهرة في الانتشار بشكل كبير منذ عقد الثمانينيات إلى يومنا هذا، وهو ما جعل المجتمع الدولي يقف وقفة الرجل الواحد في مواجهتها واعتبارها جريمة دولية يحاسب عليها القانون، ولأجل ذلك قام بسن القوانين المجرمة لها وعقد الاتفاقيات الدولية لتكون جهدا مشتركا في محاربتها، ومن أهم هذه الاتفاقيات الدولية: 

ــ اتفاقية فينا سنة 1988 التي تعتبر من أهم الاتفاقيات التي تشكل الأساس الذي تنبني عليه كافة الجهود في هذا المجال.  
ــ إعلان المبادئ للجنة بازل سنة 1988 , حيث قامت هذه اللجنة بإصدار وثيقة تتعلق بمنع الاستخدام الجرمي للنظام المصرفي لأغراض غسيل الأموال، وتعرف هذه الوثيقة " ببيان بازل".
ــ الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1998 , وبموجبه تعهدت الدول الأعضاء ببذل أقصي جهد من أجل مكافحة عمليات غسل الأموال المتحصلة من الإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية. 
وعلي هذا الأساس تعد الحكومة الموريتانية من الدول المهمة التي سعت ومازالت تسعي جاهدة إلي مكافحة كل الجرائم المالية كجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والإتجار بالبشر...، لما لها من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة على الثوابت الوطنية وعلى المستوي الدولي. 
وقد تجلي هذا السعي في المصادقة على الكثير من الاتفاقيات الدولية المناهضة لهذه الجرائم، ومن أجل أن تبقي المواكبة لسير الحملة الدولية المتشددة في مكافحة هذه الجرائم خيارا للدولة، بادرت بوضع منظومة قانونية متكاملة لمحاربتها. 
ولم تتوقف جهودها عند المصادقة على الاتفاقيات الدولية ولا عند إصدار القوانيين المجرمة كالقانون رقم 048 / 2005 والقانون رقم 2019 / 017 والمرسوم رقم 2019 / 197 لمطبق للقانون رقم 2019 / 017 المتضمن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بل قامت بإدخال آليات احترازية ـــ على مستوي قوانين أخري كمدونة التجارة كما سنري ذلك لاحقاــ تكفل الحد من انتشار هذه الجرائم وتساعد في القضاء عليها، كل هذا من أجل المساهمة في الجهود المبذولة من طرف لمجتمع الدولي وبالخصوص تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي GAFI 
ومن خلال هذا المقال سنتطرق إلى ثلاث محاور، نتناول في المحور الأول، الأثار السلبية للأموال غير المشروعة، وفي المحور الثاني التدابير القانونية التي وضعها المشرع الموريتاني للحفاظ على الأمن المالي، وفي المحور الثالث، توصيات ومقترحات تهدف إلى تعزيز مسار مكافحة الأموال غير المشروعة. 
المحور الأول: الأثار السلبية للأموال غير المشروعة 
للأموال غير المشروعة تأثيرات بالغة الخطورة، إذ أن خطورتها لا تتوقف عند مستوي واحد، بل تشمل جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال هذا المحور سنتناول تلك التأثيرات على المستوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي 
أولا: على المستوي السياسي
من الملاحظ أن تأثير المال غير المشروع على المستوي السياسي، يساهم في انتشار الفساد السياسي والإداري مما يؤدي إلى انتشار الرشوة واستغلال النفوذ، ويعود استخدام الجانب السياسي والتركيز عليه من طرف ممتهني المال غير المشروع   إلى إخفاء أموالهم وتمويه مصادرها ومحاولة إضفاء المشروعية عليها.  
ثانيا: على المستوي الاقتصادي 
يتأثر الاقتصاد بالأموال غير المشروعة تأثرا قويا، إذ يظهر ذلك التأثير من خلال عدم انتظام التوازنات الاقتصادية والمالية، فاختلاط هذه الأموال وامتزاجها بالاقتصاد، يؤدي إلي زيادة التضخم ومن ثم ترتفع أسعار الخدمات والسلع المستوردة مما ينعكس سلبا على واقع الأفراد والأسر الفقيرة، فتزداد أوضاعهم سوءا بسبب تدهور أحوالهم المالية والاقتصادية ويترسخ وينتشر الفقر في أوساطهم، بالإضافة إلى هذه الأمور فإن هذه الأموال تهدد النظام المالي والثقة المالية وعند ذلك يتراجع بسببها الاستثمار الوطني والأجنبي.
ثالثا: على المستوي الاجتماعي 
يساهم المال غير المشروع في تعميق الشرخ بين الطبقات الاجتماعية، فكثرا ما تكون لدي أصحاب الأموال غير المشروعة إمكانيات ووسائل تجعلهم لا يخضعون في الغالب لتنفيذ الالتزامات القانونية والمالية، فيتجنبون دفع الضرائب والتسديد الكلي لفواتير الماء والكهرباء، وفي المقابل تتضرر الطبقات وأصحاب المراكز المتوسطة من عدم المساواة وقلة الفرص المتاحة لهم، بل تثقل ذممهم المالية بالنقص الحاصل على مستوي الضرائب وشركتي الماء والكهرباء ليدفعوه عوضا عن هذه الطبقة.  
المحور الثاني: التدابير القانونية 
حتى لا يتسرب المال المشبوه إلى الاقتصاد الوطني وضع المشرع الموريتاني مجموعة من التدابير القانونية تهدف إلى مواجهة أي خطر يتوقع حدوثه، حفاظا على المجتمع من كل ما قد يهدد أمنه المالي وسلامه المجتمعي. 
وسنذكر مثالين أو ثلاثا على هذه التدابير، نري أنها من أهم التدابير الموضوعة لمراقبة حركة المال غير المشروع 

1 ـ ألية نظام سجل المستفيد الحقيقي 
في الإصلاح الأخير ــ الذي أدخلته الحكومة الموريتانية على مدونة التجارية بموجب مشروع القانون الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بتاريخ 11 / 01 / 2021 المتعلق بتعديل القانون رقم 005 / 2000 الصادر بتاريخ 18 يناير سنة 2000. المتعلق بمدونة التجارة ـــ جاء نظام سجل المستفيد الحقيقي، ويعني المستفيد الحقيقي على معني المادة الأولي من قانون غسل الأموال والمادة 60 من المرسوم رقم 2021 / 033 المتعلق بسجل التجارة والضمانات المنقولة: " الشخص الطبيعي الذي يمتلك أو يراقب أو يسيطر بالكامل علي العميل، أو هو الشخص الذي تتم العمليات نيابة عنه، كما يتضمن الأشخاص الذين يمارسون سيطرة فعالة على شخصية اعتبارية أو ترتيب قانوني".  
وانطلاقا من هذا التحديد الوارد في المادة أعلاه، فقد أوجب المشرع إدراج كل البيانات المتعلقة بالمستفيد الحقيقي، في سجل خاص يسمي بسجل المستفيد الحقيقي، طبقا للمادة 61 من المرسوم المتعلق بسجل التجارة والضامنات المنقولة ويهدف المشرع من وراء هذا الإصلاح إلى مجموعة من الأمور نذكر منها: 
ــ تنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية الرامية إلى الحد من المخاطر المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب 
ــ الوقوف في وجه الأموال غير المشروعة كي لا تتسرب إلى اقتصاد البلد 
ــ ابعاد اقتصاد الجريمة حتى لا يكون بديلا عن الاقتصاد الشرعي 
ــ تعزيز الشفافية المالية وتوفير المعلومات اللازمة عن المستفيدين الحقيقيين من الترتيبات القانونية والشخصيات الاعتبارية 
2 ـ الوحدة الموريتانية للتحريات المالية 
تعمل وحدة التحريات المالية وفقا لأحكام القانون رقم 2019 / 017 المتضمن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي عبارة عن مركز وطني يتمتع بالاستفلال المالي والإداري.  
وتتمثل مهمته الأساسية في تلقي وتحليل المعلومات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالإضافة لموافاة الجهات المختصة بالإخطارات المالية المتعلقة بالأموال محل الاشتباه في أنها أموال متحصلة من أنشطة إجرامية، ونلخص الاختصاص المنوط بهذه الجهة في الأمور التالية: 
1 ــ تستقبل جميع البيانات والمعلومات التي تتطلبها الوحدة وفقا لأحكام القانون رقم 2019 / 017 والمرسوم المطبق له 
2 ـ الطلب من أي شخص طبيعي أو اعتباري آخر التقارير والمعلومات التي تراها ضرورية لأداء وظيفتها 
3 ـ تبادل البيانات والمعلومات والتقارير بشأن كافة البلاغات والمعلومات والتقارير عن العلميات محل الاشتباه  
4 ـ إنشاء قاعدة بيانات أو سجل خاص لما يتوافر لديها من بينات أو معلومات وحمايتها والمحافظة على سريتها 
5 ـ إعداد تقارير دورية على الأقل سنويا، تتضمن تحليل وتطوير نشاطات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 
6 ـ إحالة الملف إلي وكيل الجمهورية المختص فور تأكد الوحدة من وجود قرينة بوقوع الجريمة 
ولهذه الوحدة زيادة علي الاختصاصات المشار إليها مصالحها الفنية المختصة في العمل لإنجاز هذه الأمور، كمصلحة التوثيق والتحليل ومصلحة الشؤون القانونية، وتجدر الإشارة إلى أن دور الوحدة يتمثل في جمع المعلومات والتحقيق في مدي صحتها، وليس لها دور عقابي ولا تمك صلاحيته. 
3 ـ اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 
أنشئت هذه اللجنة طبقا لأحكام القانون رقم 2019 / 017 , ويترأسها محافظ البنك المركزي مع عضوية موظفين سامين في الدولة من ذوي الخبرة والكفاءة، ومن بين الاختصاصات الممنوحة لهذه اللجنة: 
1 ـ وضع التقارير وتطوير الإستراتيجيات الوطنية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 
2 ـ تحديد وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المستوي الوطني ووضع الآليات اللازمة لتزويد كافة الجهات المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب  
3 ـ وضع الآليات اللازمة لتنسيق وتبادل المعلومات ذات الصلة والتعاون بين مختلف الجهات المختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب 
4 ـ إجراء دراسات دورية حول تطور التقنيات المستخدمة لأغراض غسل الأموال وتمويل الإرهاب 
5 ـ تعزيز الوعي لدي المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة والجمعيات التي لا تهدف إلى الربح حول مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. 
وبالإضافة إلى هذه التدابير القانونية، فإن السلطات الموريتانية، تملك الأجهزة المؤسسية المسؤولة عن مكافحة هذه الظاهرة وهو كالتالي: 
ـ البنك المركزي الموريتاني، جهة رقابية على القطاع المالي 
ـ وزارة المالية، جهة رقابة على القطاع المالي 
ـ وزارة العدل، جهة إنفاذ القانون 
 ـ وزارة الشؤون الخارجية 
ـ وزارة الداخلية ممثلة في جهاز أمن الدولة 
ـ مديرية الشرطة القضائية 
ـ إدارة الجمارك 
ـ الحرس الوطني الموريتاني 

المحور الثالث: توصيات تتعلق بتعزيز مسار مكافحة المال غير المشروع   
تتطلب خطورة المال غير المشروع العمل باستمرار على تطوير الأنظمة والجهات المسؤولة عن مكافحته، كما يتعين على الجهات المسؤولة، تفعيل أدوات الرقابة الخاصة بمكافحة المال غير المشروع والعمل على تنفيذ السياسات والإستراتيجيات الوطنية والدولية، وفي هذا الإطار يجب علي الدولة أن تقوم بتعزيز مسار مكافحة الأموال غير المشروعة من خلال ما يلي 1 ـ التنسيق المشترك بين مختلف الجهات المعنية بالموضوع 
فمن نتائج التنسيق المشترك أنه يعطي رؤي مختلفة بشأن النهج والسياسة التي يجب اتباعها في مكافحة غسل الأموال. ويضمن فعالية الجهود المشتركة بين مختلف القطاعات، وعن طريقه تقوم الحكومة برسم سياسة واضحة وشاملة تلزم جميع القطاعات بتفعيل أدوات الرقابة بشكل فعال ومتناسب. 
2 ـ إشراك القطاع الخاص 
لا ينبغي أن تكون محاربة غسل الأموال، شأنا عاما بل يجب إشراك القطاع الخاص والاستعانة به كشريك وفاعل في العملية كفاعل اقتصادي، فلدي الكثير من المنتسبين لهذا القطاع رؤي مهمة يمكن الاستفادة منها بشأن مكافحة غسل الأموال 

براهيم الب خطري        

   إطار بوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي                     

باحث في القانون والدراسات الإسلامية