ثلاثة أيام فقط تفصل بين زيارة الرئيس محمود عباس للعاصمة العُمانية وبين زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو برفقة وفد يضم رئيس جهاز الاستخبارات، والمسؤول عن الأمن القومي، تطرح على بساط البحث جملة من التساؤلات. إذا كان من الطبيعي أن يقوم رئيس دولة فلسطين بزيارة لأي دولة عربية، فإن من غير الطبيعي أبداً، أن يقوم رئيس وزراء دولة الاحتلال، بزيارة رسمية تحت أو فوق سمع وبصر وسائل الإعلام والمهتمين.
منذ اعتلائه عرش الحكومة العام 1996، وخلال الدورات الأربع التي عاد فيها نتنياهو إلى الموقع ذاته متفوقاً على كل الشخصيات الإسرائيلية التي تعاقبت على رئاسة الحكومة لم يحظ نتنياهو بزيارة لأي دولة عربية سوى الأردن. حتى مصر التي وقعت اتفاقيات كامب ديفيد، منذ نحو اربعة عقود، وتقيم بموجبها عملية سلام لا تزال سارية المفعول، لم تسمح بزيارة كهذه رغم أن لعاب نتنياهو يسيل، لزيارة القاهرة.
من حق نتنياهو أن يحتفل بهذا الإنجاز، ومن حق إسرائيل كلها أن تطبل وتزمر لهذا الانتصار، الذي يتحقق في وقت يسير فيه ملك إسرائيل بين الأشواك تحيط به المؤامرات من قبل حزبه، وتلاحقه شبهات وملفات الفساد، ويتطلع إلى وراثة موقعه ودوره العديد من الشخصيات السياسية المتطرفة.
كان نتنياهو يتحدث بين الوقت والآخر، عن رضا إزاء مسألة، تحقيق اختراقات وإقامة صلات وعلاقات، مع عديد الدول والمسؤولين العرب، وكان البعض يحمل هذه الادعاءات على صفة الكذب التي يبرع بها رئيس حكومة الاحتلال، وها هو يؤكد مصداقيته.
ويستطيع نتنياهو أن يتفاخر أمام المجتمع الإسرائيلي، بأنه نجح على نحو باهر في فرض رؤيته إزاء كيفية التعامل مع مبادرة السلام العربية، وإزاء الأولويات في المنطقة.
بالنسبة لموضوع مبادرة السلام العربية، التي أجاب عنها شارون حين كان رئيس الحكومة العام 2002، بحملة السور الواقي، وإعادة احتلال الضفة كان نتنياهو قد تمسك بالموقف الذي يقول إن هذه المبادرة ينبغي أن تبدأ ببندها الأخير، وهو التطبيع العربي والإسلامي قبل إنجاز العملية السلمية. رفض العرب ذلك، غير أن سياق تطور الأحداث منذ ستة عشر عاماً حتى الآن، يشير إلى أن رؤية نتنياهو أصبحت جزءاً أساسياً من «صفقة القرن» التي تتبناها الولايات المتحدة، وأن عديد الدول العربية أخذت تستجيب لتلك المعادلة، بعضها بوقاحة شديدة وبعضها الآخر بقدر من الخجل والتروي.
زيارة نتنياهو لمسقط، في هذا التوقيت، تنطوي على أهمية بالغة من حيث كونه يكسر الزجاج الشفاف، ويفتح الطريق أمام المزيد من الفتوحات المماثلة. صحيح أن ثمة تراثا قديما للعلاقة بين إسرائيل وعُمان التي زارها اسحق رابين العام 1994، ثم شمعون بيريس العام 1996، وأن مكاتب التمثيل المتبادلة توقفت العام 2000، لكن العلاقات لم تتوقف بين الطرفين، ولكن من تحت الطاولة.
أول الدول المرشحة لأن تحذو حذو عُمان هي البحرين، التي رحب وزير خارجيتها، وأثنى على ما بادر إليه السلطان قابوس، باستقباله لنتنياهو.
أما النجاح الثاني لنتنياهو فهو، حين أصر على أن الصراع مع إيران يحتل أعلى سلم الأولويات، وأن الملف الفلسطيني يتراجع إلى مكانة، يكاد لا يراها رئيس حكومة الاحتلال.
يتذكر الجميع أن نتنياهو خاض «معركة» مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، حول هذه القضية، إذ أصر أوباما على الربط المتزامن بين ملفي إيران وعملية السلام، وبناء على ذلك أوفد وبسرعة جورج ميتشل لمتابعة عملية السلام، وأعلن أن على إسرائيل أن تجمد الاستيطان بكل أنواعه ومسمياته، لكن ميتشل اصطدم بالتعنت الإسرائيلي واستقال مبكراً.
قاوم نتنياهو الضغط الأميركي، الذي لم يكن فعّالاً آنذاك، وحصل على كثير من المكافآت التي قدمتها إدارة أوباما، في محاولة لاستمالته، لكنه لم يتورع عن ارتكاب العديد من الحماقات وتوجيه العديد من الإهانات للرئيس الأميركي وأركان إدارته.
ذهب أوباما بعد ثماني سنوات من إدارته للبيت الأبيض، وبقي نتنياهو، ومعه رؤيته، التي أصبحت سياسة واقعية تتبناها الولايات المتحدة، ويسايرها عديد الدول العربية فعلياً، رغم أن التصريحات تضرب في اتجاه آخر كعادة العرب.
يدعي البعض في تفسير الزيارات التي قام بها الرئيس محمود عباس ورئيس حكومة الاحتلال، أن عُمان تحاول التوسط والدخول على خط عملية السلام وتذليل بعض العقبات من أمامها، وأن عمان مشهود لها في المساعدة على تذليل بعض العقبات أمام اتفاق خمسة زائد واحد، الخاص بالملف النووي الإيراني. ولكن دون التقليل من أهمية عُمان ودورها، نتساءل، عما يمكن أن تقدمه من مساعدة لتذليل عقبات تتعلق بملف معقد عنوانه عملية السلام و»صفقة القرن». إذا كانت دول كبيرة وتكتلات دولية، غير قادرة، بل عاجزة عن مواجهة التحالف الأميركي الإسرائيلي و»صفقة القرن»، التي تصادر الحقوق الفلسطينية تباعاً، ويرفضها الفلسطينيون بلسان عربي فصيح، فما الذي يمكن أن تفعله عُمان، إلاّ أن ما تقوم به من ترحيب بنتنياهو، ينطوي على رسالة تحذير وضغط على الفلسطينيين.
الرسالة هي أنه ما لم يلتحق الفلسطينيون بركب «صفقة القرن»، فإن العرب لن يتخلفوا عن مسايرتها، والاندراج فيها، وأن على الفلسطينيين أن يسهّلوا على العرب التعامل مع ملف الخطر الإيراني الذي يحظى بالأولوية، وإلاّ فإن عليهم أن يتحملوا العواقب، وأن لا يلوموا إلى أنفسهم.
بقلم/ طلال عوكل