مبكراً جداً كان الحديث عن أهمية وجود وقوة الدولة كضمانة للاستقرار والتنمية، حيث يصعب فى غياب الدولة أن تكون هناك عملية تنمية، ولهذا ظل السؤال الأهم خلال أكثر من سبع سنوات عن المدى الذى يمكن أن تصل إليه عملية التغيير، والانتقال إلى نظام ديموقراطى وعادل ينهى إرثا من التسلط، وبدا السؤال عن الأولوية فيما يتعلق بالبناء السياسى، وارتباطه بقوة المؤسسات، وخلال التحرك من البداية بدا أن هناك إجابات عن الأسئلة المطروحة، بتطبيق عملى على حالات مثل سوريا وليبيا واليمن بدرجات مختلفة، وظهرت نقاط وأمثلة أخرى فى دول أفريقية كالصومال أو غيرها، حيث تعرضت هذه الدول لاختبارات البقاء فى ظل غياب الدولة وانتشار الميليشيات، فقد كان هناك ترويج لأن عملية التغيير تبدأ وتنجح بمجرد سقوط الأنظمة المتسلطة، سقط القذافى وعلى صالح لكن لم تتوفر عملية التغيير، وسبق أن تم تجريب حل الإسقاط فى العراق، كما تحولت فكرة الثورة فى سوريا، وأسفرت عن حرب أهلية دفع ثمنها الشعب السورى أولا وأخيرا.
وهذه التجارب العملية هى التى أعادت ترتيب الأسئلة عن الدولة والثورة والتغيير، ومن أهم ما أسفر عنه منتدى شباب العالم هو التأكيد على البعد الأفريقى والبعد العربى من دون تجاهل البعد المتوسطى فى علاقات مصر الخارجية، ويبدو مثيرا للانتباه تركيز مصر على أهمية الاستقرار للتنمية، حيث يصعب قى غياب الدولة أن يكون هناك مجال للتنمية والاستثمار، وهو أمر ينطبق على الدائرة العربية والأفريقية والشرق أوسطية.
والامثلة متعددة حيث أدى غياب الدولة فى ليبيا واليمن والصومال أحيانا إلى انتشار الميليشيات التى تسعى كل منها لانتزاع منطقة وفرض سلطتها عليها، وتقوم بحيازة والتحكم فى الثروات التى تضمها مناطق النفوذ، فى ليبيا كان النفط يتم تهريبه عن طريق داعش وتنظيمات الإرهاب لصالح الأنظمة الممولة للإرهاب، وحدث الأمر نفسه فى سوريا، حيث كان داعش يسرق البترول ويبيعه بأسعار رخيصة لتركيا، وكان بلال أردوغان أحد سماسرة تهريب النفط العراقى والسورى والليبى عن طريق داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية، ونفس الأمر فى أفريقيا، كلما ضعفت سلطة الدولة يسهل تهريب الخامات والثروات.
لكل هذا فإن التركيز فى خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال أكثر من جلسة على أهمية توفير الاستقرار والحفاظ على مقومات الدولة، حتى لا تنفرط وتتحول إلى مجال للميليشيات والتناحر، بما يسهل سرقة الثروات وتهريبها بأسعار مخفضة.
مصر تؤكد دائما على أهمية استقرار أفريقيا وإنهاء النزاعات التى تنتج من الفقر والتطرف، وتبدو بالفعل هناك معضلة فى معادلة التنمية، وأولوية التنمية والاستقرار، حيث لا يمكن أن تنجح جهود التنمية من دون استقرار، وفى نفس الاتجاه فإن الاستقرار ربما يكون مشروطا بالتنمية ومواجهة تحديات الفقر والمرض، وأكد الرئيس السيسى فى كلمته بجلسة أفريقيا 2063 على أهمية الاستقرار والأمن فى التنمية، دول أفريقيا بمجموعها غنية بالموارد والفرص، ومع هذا فإنها تستنزف هذه الثروات الطبيعية والبشرية فى نزاعات عرقية بعضها يحمل وجها دينيا، بينما تصب لصالح القوى الاستعمارية القديمة والحديثة، ففى حالة وجود ميليشيات يسهل على سماسرة الحروب الحصول على الخامات بأسعار مخفضة، بينما يوفر الاستقرار وضعا تنافسيا لهذه الدول.
لهذا يظل سؤال الساعة عن إمكانية التوازن لبناء صيغى تستمر بها الدولة ضامنا للاستقرار، وتنمو بموازاتها سلطات ومؤسسات تضمن تنمية ناجحة وتوزيع عادل لعوائد هذه التنمية.