كانت الفتاة فاطمة تهيم حبا وعشقا بوالدها وتتباهی به أمام صديقاتها في الجامعة .. كانت معجبة بأبيها إعجابا شديدا وتتحدث كثيراً لصديقتها ورفيقة عمرها منى عن كرم والدها وأياديه البيضاء علی المساكين والمحتاجين وعن عطفه وحنانه وقلبه الكبير وصفاته النادرة بين الرجال ..
لم تترك صغيرة ولا كبيرة ولا شاردة ولا واردة إلا وأوردتها .. ممتلكاته
,عمله فی إحدى الدول الغنية ,ومستوی الحياة الرغدة والرفاهية التي تعيش فيها أسرته.. كل هذه المعلومات أصبحت معروفة ومألوفة عن والد فاطمة لدی جميع الطالبات بالجامعة …
كانت مُنى الصديقة رقم واحد لفاطمة في صحوها ومنامها ..ليست بينهما اسرار ,كأنهما توأمان.
لقد تأثرت منى كثيراً بالوصف والصورة الزاهية التی رسمتها فاطمة لوالدها .. تقول عنه : أبي مبتسم دائما ,لا يغضب... كريم ,ينفق على الفقراء والمحتاجين ..في منتهى الطيبة والحنان والعطف..يكرم الضيف ويصل الرحم..
فكرت منى كثيراً وهي فی السنة الدراسية الأخيرة فی شريك حياتها ، شعرت بخيبات كبيرة فی سلوك أقرانها من الشباب الحائر والمتسكع بين الطرقات ,وفی قصص زميلاتها وتجاربهن.. زواج ,ثم إنجاب طفل أو اثنين أو ثلاثة ثم الطلاق والتشرد والضياع .. كانت تخاف وتخشی من ذلك المصير الاسود..
شوهدت منى أكثر من مرة وهي تجلس لوحدها علی صخرة كبيرة تحت شجرة في الفناء الامامي للجامعة.. شاردة الذهن .. ولم يدُر بخلد أي إنسان فيمَ كانت تفكر ….
بعد تفكير عميق اتخذت منى قرارها الأخير والمثير .. أخذت رقم هاتف والد فاطمة خلسة دون علمها من جوالها واتصلت عليه ,وما إن رد عليها حتى قامت بالاعتذار له بصورة مهذبة ,وتأسفت على الإزعاج مدعية أن الاتصال كن عن طريق الخطأ ,ولأنه فعلا كان طيب الاخلاق كما وصفته ابنته فاطمة حاول ان يطيّب خاطرها بكلمات مؤدبة.. فالتقطت منى تلك الفرصة وعرّفته بنفسها.. وشيئا فشيئا بدأ التعارف وتوطدت العلاقات التی وصلت الی النهايات السعيدة وتبادل الرسائل والصور والاتفاق علی الزواج ….
وكانت المفاجأة المدوية يوم اتصل والد فاطمة علی أسرته وأخبرهم بأنه موجود الآن فی البلاد وقد تزوج وهو فی طريقه إليهم صحبة زوجته الجديدة …..
وكانت المفاجأة أكبر يوم وصول الوالد صحبة زوجته ,حيث مدت فاطمة يدها لعروس والدها والتی لم تكن سوی منى صديقتها الاولی ورفيقة عمرها …..
لقد صدمت فاطمة صدمة كبيرة ولم تصدق ولم تستوعب أن مَن تقف أمامها هي صديقتها منى بلحمها وشحمها وأنها أصبحت زوجة لوالدها …
سألتها بعد أيام ,والحيرة والدهشة تعقدان لسانها : أين وجدتِ أبي وكيف؟؟؟ لم تكذب عليها بل روَت لها ما حدث بالضبط … زادت دهشة فاطمة وهي تسأل صديقتها : وما الذي جعلك تفعلين ما فعلت ..تتزوجين رجلا كبيرا في عمر أبيك وانت لا تزالين صغيرة وجميلة ومتعلمة ؟؟؟ أجابتها وهي تضحك .. انت السبب..هل نسيت كلامك عن أبيك .. ابي كريم.. ابي عطوف..رحيم ..غني...فأين ألقى هذه الصفات في غيره من الرجال في هذا الزمن.
أليس زواجي من أبيك أفضل من الزواج بشاب صغير السن والعقل ,أنجب منه طفلين أو ثلاثة ثم يطلقني ويرميني في الشارع ؟
لم تجد فاطمة ما تقوله سوی أن تحدق فی وجه صديقتها وأم إخوانها المنتظرين وتلوذ بالصمت .
لكنها أخذت درسا كبيرا وتجربة عميقة ,لذلك تنصح بنات جنسها من الفتيات ألَّا يذكرن محاسن آبائهن وإخوانهن أمام الاخريات ,فهناك دائما مَن تتحيّن الفرصة لاختطاف الرجال بغض النظر عن ظروفهم ,وهل هم متزوجون ولهم أطفال قد يتشردون بسببها.
القصة مقتبسة من قصة سودانية واقعية ,وقد قام موقع "الجواهر" بتصحيحها لغويا وإعدادها للنشر.