تابعت، كغيري من الموريتانيين، ظهور نتائج اقتراع الفاتح من سبتمبر؛ وما أفرزته من "صعود" لحزب "تواصل" الذي يصنف على أنه "الطبعة الموريتانية لحركة الإخوان المسلمين"، على حساب تشكيلات سياسية معارضة أعرق منه وأوسع حضورا في المشهد السياسي خلال السنوات الماضية؛ وقد خرجتُ من ذلك بجملة الملاحظات التالية :
- وُفق محمد جميل ولد منصور ورفاقه حين خرجوا على إجماع القوى السياسية المنضوية تحت لواء المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (معارضة راديكالية) بقرارهم المشاركة في انتخابات 2013 البلدية والتشريعية؛ حيث استطاعوا استقطاب ناخبي بقية أحزاب المعارضة والمغاضبين من الحزب الحاكم في الآن ذاته؛ فتصدر حزبهم المشهد المعارض بإحرازه المركز الثاني من حيث عدد نواب الجمعية الوطنية الذي خوله زعامة مؤسسة المعارضة الديمقراطية
- أثبتت هذه النتائج أن أحزاب المعارضة التقليدية "الكبرى" (التكتل والتحالف واتحاد قوى التقدم) عجزت عن تطوير ومواءمة خطابها السياسي الذي بات متجاوزا وغير مقنع للناخب الموريتاني الطامح للتغيير، ليس على مستوى السلطة وحدها، وإنما على مستوى المشهد الوطني بشكل عام.
- أظهر تقدم حزب "تواصل" في مناطق واسعة من البلاد؛ بما في ذلك العاصمة نواكشوط، ودوائر كانت تشكل خزانا انتخابيا محسوما لصالح أحزاب السلطة المتعاقبة على الحكم (الحزب الجمهوري والاتحاد من أجل الجمهورية بشكل خاص) أن موازين القوة الإنتخابية بدأت تشهد بوادر تغيير جذري في الولاءات السياسية فيما يمكن اعتباره انسجاما مع خصوصيات محلية راسخة قد يكون "الإسلاميون" أحسنوا التعامل معها، في حين كانت بعض ترشيحات الحزب الحاكم بمثابة خروج عليها أو محاولة لتجاوزها
- نزول رئيس الجمهورية شخصيا إلى حلبة المواجهة الخطابية ضد "تواصل" بالذات، دون بقية أحزاب المعارضة الأشد منه راديكالية في أغلب الحالات، يفهم منه أحد أمرين :
1 - إرادة رئاسية قوية لإظهار أن "تواصل" بات يشكل القوة السياسية الأبرز داخل الطيف السياسي المعارض، وبالتالي الأكثر تمثيلا لهذا الطيف من الناحية الانتخابية بالنسبة للسلطة، وذلك تمهيدا لإطلاق حوار سياسي أكثر جدية من سابقيه، لتهيئة المناخ السياسي الملائم للشروع في مسار التحضير لمرحلة ما بعد رئاسيات 2019؛ بحيث لا يكون لمواقف أحزاب المعارضة الأخرى تآثير ذو بال في ذلك المسار مقارنة بموقف ومكانة "تواصل" (أقل عنادا وأكثر واقعية) ضمن المشهد السياسي الجديد
2 - أن يكون الرئيس قد تلقى من المؤشرات الميدانية (تقارير خاصة) ما يثبت، بالفعل، أن "الإسلاميين" باتوا قوة سياسية فاعلة بمقدورها توسيع نطاق حضورها بقوة في المشهد الوطني؛ وبالتالي يتعين التعاطي، بسرعة وحزم، مع هذا الصعود المتسارع؛ وفي هذه الحالة يمكن لقادة "تواصل" الترويج لفكرة أن حزبهم "كان بصدد اكتساح الجمعية الوطنية لولا التدخل المباشر لرئيس الجمهورية خلال الحملة الانتخابية" !